وأبى القدر إلا أن يزيد في آلامه، فبعد زهاء عامين ورد إليه نعي زوجته فبكاها، ورثاها بما نلمس فيه صدق العاطفة وخالص الود، وأشفق على بناته بعدها، وقد اغترب الوالد وماتت الأم فقال:
يا دهر فيم فجعتني بحليلة ... كانت خلاصة عدتي وعتادي
إن كنت لم ترحم ضناي بعدها ... أفلا رحمت من الأسى أولادي
أفردتهن فلم ينمن توجعاً ... قرحى العيون رواجف الأكباد
ألقين در عقودهن وصغن من ... در الدموع قلائد الأجياد
يبكين من وله فراق حفية ... كانت لهن كثيرة الإسعاد
فخدودهن من الدموع ندية ... وقلوبهن من الهموم صوادي
وهي قصيدة طويلة صادقة التعبير لا يقلل من قيمتها إنه تأثر فيها بقصيدة التهامي في رثاء ولده، لأن معانيها تنبع من إحساس صادق لا تقليد فيه
وفجعته الأيام كذلك بابنته، فقابل الفجيعة بحزن بالغ، جمدت له عيناه، ثم بصديقين عزيزين هما حسين المرصفي وعبد الله فكري باشا، فحزن عليهما أشد الحزن، وبكاهما في قصيدة طويلة أرسلها عبرة مسفوحة على موطن شبابه وأيام شبابه وصديقي شبابه، فقال:
لم تدع صولة الحوادث منى ... غير أشلاء همّة في ثياب
فجعتني بوالدي وأهلي ... ثم أنحت تكرَّ في أترابي
كل يوم يزول عني حبيب ... يا لقلبي من فرقة الأحباب
أين مني حسين بل أين عب ... د الله رب الكمال والآداب
لم أجد منهما بديلاً لنفسي ... غير حزني عليهما واكتئابي
(البقية في العدد القادم)
أحمد أحمد بدوي
مدرس بحلوان الثانوية للبنين