للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكديش الأخضر الشاحب، وتمتد يداه كأوراق الشجر الذابلة،)

توسل الأمير السعيد للسنونو أن يقيم معه الليلة، وأن يبلغ رسالته إلى ذلك الطفل الصادي، وتلك الأم الحزينة، قال السنونو أنا لا أعطف على الأطفال، فقد كنت في الصيف الماضي مقيماً على النهر، وكان هناك صبيان يحصبانني بالحصى وهما ولدا الطحان، ولم يكن الحصى يصيبني لما اشتهرت به طائفتنا من خفة الحركة، وسرعة الطيران، ولكن الذي يحزنني هو ما ينطوي عليه عملهما من المهانة لنا والتحقير لشأننا)

طافت بوجه الأمير سحابة حزن أشفق منها السنونو ولان قلبه وقال: (الآن طبت نفساً بالبقاء معك هذه الليلة، وسأحمل رسالتك) وشكره الأمير، واقتلع السنونو الياقوتة من قبضة السيف وضم عليها منقاره وطار،. . . طار فوق برج الكنيسة ورأى تماثيل الملائكة قد قدت من الرخام الأبيض إذا رأيتها حسبتها لؤلؤاً منثوراً، وطاف بالقصر الملكي فرأى مرقصاً ونعيماً ونوراً، وخرجت إلى شرفة القصر غادة جميلة مستندة إلى ذراع صاحبها فأنصت إليهما فإذا الرجل يقول (ما أغرب الحب وما أشده) قالت الفتاة لاهيةً عن حديث الحب بحديث الثياب (ما أشد لهفتي على ثوبي الذي أعده لليلة المرقص! لقد كلفت الحائكة وشيه بأزهار العواطف، ولكن الحائكة كسول،) وطار فوق النهر وأبصر المصابيح تتدلى على ساريات المراكب، وطاف بحي اليهود، فرأى شيوخهم يتنازعون في البيع والشراء، ويزنون الدراهم بموازين من نحاس، وحط على الدار الحزينة ونظر من خلال النافذة فإذا الصبي يصطلي بنار الحمى فلا يهدأ مضجعه، وإذا الأم قد احتواها التعب فقامت إلى فراشها. ونفذ السنونو إلى الغرفة وألقى بالياقوتة على المنضدة، ثم طاف يرفرف بجناحيه على الصبي. تحرك الصبي في مضجعه وقال (ما أعذب هذا النسيم العليل، لعلي واجد من المرض خلاصاً) ثم أخذته سنة مريحة.

عاد السنونو إلى الأمير السعيد، وقص عليه ما رأى وما فعل وقال (عجباً! إنني لأشعر بالدفء في هذا الجو البارد!) قال الأمير (ذلك بما وفقت إليه من فعل الخير)

وساد صمت عميق، كان السنونو فيه مطرقاً مفكراً وهو إذا فكر نام!! ولما انبثق الفجر طار إلى النهر واغتسل بمائه فأبصره أستاذ علم الطير، وراعه أن يرى السنونو في فصل الشتاء، وعد هذا من خوارق الطبيعة، فحرر مقالاً طويلاً نشره في الصحيفة المحلية وقرأه

<<  <  ج:
ص:  >  >>