للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أشفق السنونو من بكاء الأمير السعيد وقال له (من أنت؟) قال (أنا الأمير السعيد) قال (وما بكاؤك في هذه الساعة وقد بللتني دموعك؟) قال (كنت حياً وكان لي قلب كقلوب الناس، وما عرف الدمع إلى عيني سبيلاً، كنت أسكن قصر (البال الخالي) وكان الحزن لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه، وكنت أمضي سحابة اليوم ألهو وألعب مع رفاقي بين الزهر والشجر، وأقضي هزيعاً من الليل أطرب وأرقص في بهوه الفسيح، وكان يحيط بالقصر حائط لم أحفل بما وراءه، وكان كل ما حولي جميلاً، طربت لهذه الحياة حتى دعتني حاشيتي بالأمير السعيد يحسبون السعادة في الطرب. إلى أن أدركني الفناء فأقاموني على هذا الشرف، أرى منه كل ما في المدينة فلا يقع بصري إلا على ما تكره الأبصار، ولا يمتد إلا ليرتد حسيراً، ولي قلب قد من الرصاص ولكن لا محيد لي عن البكاء،.)

عجب السنونو في نفسه من هذه القصة، وزاد عجبه أن القلب قد قد من الرصاص، والجسم من الذهب

قال الأمير في صوت هادئ ونغم موسيقى،: (في أقصى المدينة دار فيها البؤس، وفيها الشقاء، وفيها أم قد ألح عليها الفقر العنيف. حتى شحب وجهها، وغابت نضارتها، واحمرت يداها من فرط ما تعانيان من وخز الإبر، وهي جالسة إلى منضدة وبين يديها ثوب من الحرير توشيه (بزهر العواطف) وتعده لأجمل وصيفات الملكة، تريد أن تزدهي به في مرقص يقام في القصر غداً. وإني لأرى الأم من نافذة الدار وأرى ولدها الصغير طريح الفراش، تضطرم في أحشائه نار الحمى، ولا عاصم له من شرها إلا شربة من عصير البرتقال، وأنى لهذه الوالدة بعصير البرتقال؟ - إنها تسكب في فمه ماء النهر، وهو لا يروي صداه، ولا يدفع جواه، هذه رسالتي أيها السنونو الصغير، اخلع عن قبضة سيفي هذه الياقوتة، وألقي بها بين يدي الأم البائسة، فأنا في موقفي هذا لا أستطيع حراكاً بما شدت به قدماي إلى هذا العامود).

برم السنونو بهذا الأمر واستعفى منه الأمير قائلا (إن لي في مصر من يترقب عودتي. أولئك رفاقي ترفرف أجنحتهم فوق نهر النيل يناجون أزهار اللوتس العظيمة، وما أحسبهم الآن إلا آوين إلى مضاجعهم في مقبرة الملك العظيم، المضطجع في تابوته الموشى، وقد ضمت لفائف التيل الأصفر جسده المحنط بالتوابل والأفاويه، ويحيط بعنقه قلادة من

<<  <  ج:
ص:  >  >>