تبغي تحقيقها؟ وعندما تحس بنفسك حرة قوية أي مرح سيأخذ بالروح عندئذ؟ ثم هل هناك ما ينشط ملكات الخلق في الفرد مثلما ينشطها المرح الروحي؟ وأي سعادة في الحياة تعدل سعادة الخلق؟
هكذا نستطيع أن نجد حلا للجزئية التي عرضنا لها، ولكن المشكلة لا تزال قائمة في عمومها، ولقد لاحظ الكاتب الفرنسي (ديهامل) أن من الكتاب والفنانين من وهبوا ملكات ساحرة دون أن يمنعهم ذلك من انحلال الأخلاق. ولقد قسا بهم الرجل فشبههم بالعاهرات بلهو الناس بأجسامهن ثم لا يمنعهم ذلك من احتقارهن. ولابد لتفسير الظاهرة من أن نفرق بين ثقافة النفس وملكة الخلق، فليس من الضروري للأديب، أو الفنان الخالق، أن يكون رجلاً مثقفاً، بل من الناس يرى أن ثقل الثقافة قد يعوق الخلق، وباستطاعتك أن تستعرض أسماء الكثيرين من كبار الكتاب أمثال: شكسبير وموليير وروسو وديكنز وبلزاك وفالري، ممن لم يتلقوا تعليما جامعياً منظما، وإنما هم رجال وهبوا القدرة على الخلق، ثم جدوا فحصلوا بقراءاتهم مواد أولية يعملون فيها ملكاتهم، وليس هذا هو المقصود بالثقافة، وإنما الثقافة بأدق معانيها هي تكوين نظام عقلي وغرس روح علمية في النفس، وهذا النظام وتلك الروح لا ينموان بالتحصيل أو بجمع المواد الأولية، بل هما راسبان يتخلفان بالنفس بعد أن ننسى ما حصلنا وما جمعنا. وعلى هذا النحو نستطيع أن نحل هذا الجزء الآخر من المشكلة، فنميل إلى الاعتقاد بأن ثقافة النفس خليقة بأن تسدد الخلق
ولكن كيف تسدد الثقافة الخلق؟ للجواب على ذلك يجب أن نميز بين المعرفة والثقافة: فالمعرفة التي تنحصر في تحصيل المعلومات لا نظن أن لها تأثيراً ما على الأخلاق، وإلا فأي أثر تريد أن يكون لعلمك بقانون الجاذبية أو بأن نابليون قد انتصر في موقعة أوسترلتز أو ما شابه ذلك على سلوكك الخلقي. وعلى العكس من ذلك الثقافة بالمعنى الذي حددناه، فإذا وصلت بفضلها إلى نظام عقلي وروح علمية، نمت بنفسك قدرة على تمييز الحقيقة، ثم محبتها، وعندئذ ستحس بالحرية الروحية، وقوة النفس، ومرح العقل، التي ركزنا فيها جمال الخير. ولي على هذا شاهد في أستاذ تلقيت عنه العلم، وهو رجل دؤوب على القراءة، وإطالة التفكير فيما يقرأ، حتى لأحسبه لطول ما قرأ وفكر قد وصل إلى ما وصفت من نظام عقلي وروح علمية، وأكبر ظني أن هذا النظام وتلك الروح قد أصبحا اليوم أساس