سماحته الأخلاقية، فهو من قلائل الناس الذين يحرصون على أن يعطوا كل ذي حق حقه، وهو من قلائل الناس الذين يسلمون لكل فرد بما ينبغي أن يكون له من كبرياء، دون أن يلقى هذا الكبرياء على نفوسهم أي شبح من ظلال. أي جمال تحس في نفسه عندما تلوح لك خالية من عتمة الحسد؟ وقديما قال المفكرون:(إن قليلاً من العلم يبعد بنا عن الله ولكن كثيره يعود بنا إليه)
ونترك العلاقة بين الثقافة والأخلاق في حياة الفرد لنواجهها في حياة الأمم، وهنا تبدو لنا ظاهرة كبيرة لابد من تفسيرها، وهي ما نلاحظه في التاريخ من أن جميع الأمم قد انتهى بها الأمر عندما اتسمت ثقافتها النظرية إلى الانحلال فالفناء، وهذا ما تجده عند اليونان والرومان والعرب على السواء، فما السر في ذلك؟ يخيل إليّ أننا نجد الجواب في أمرين: أولهما: أن الأمم لا تحيا بالثقافة النظرية فحسب، وإنما تحيا أيضاً بتقاليدها. وثانيهما: أن للثقافة النظرية نوعين من النشاط: نشاط هدم ونشاط بناء. فعندما يسبق التفكير الفردي التقاليد ويأخذ في تناولها بالبحث ومناقشة الأسس، لابد من أن يقوضها، لما هو معروف من أن كثيراً من التقاليد لا تقوم على أسس نظرية قوية بل تستند في الغالب إلى مواضعات اجتماعية خلفتها عصور موغلة في الظلام. وإذا كان العقل قادراً على الهدم فهو أقل قدرة على البناء، وبخاصة بناء التقاليد، وتلك لا يكفي في تدعيمها النظر المجرد بل لابد من أن تطرد بها الحياة حتى تنزل من الناس منزلة العادات الآلية، وهذا أمر يحتاج إلى زمن طويل. وهكذا نفس انحلال الأمم: عقل يهدم ثم لا يستطيع لساعته أن يقيم بناء على الأنقاض
وإذا كان العقل يقوض من دعائم الأمم، فإن ذلك لا ينبغي أن يصرفنا عن تثقيفه، فهو ليس منبع الشر وإنما منبعه إنه لم يثقف عند كافة أفراد الأمم المنحلة، بل عند نفر قليل منها هم الذين قوضوا التقاليد. والتقاليد في الحق ليست من ضرورات الحياة الاجتماعية إلا بحكم أنها تحل عند غير المثقفين محل النظام العقلي والروح العلمية اللذين أشرنا إليهما، وعندما تستطيع أمة من الأمم أن تدعي أن كل فرد من أفرادها يملك ذلك النظام وتلك الروح فلن يرهبها عندئذ أن تضيع تقاليدها
وهكذا نستطيع أن نخلص إلى أن الثقافة الحقيقية دعامة قوية من دعائم الأخلاق في حياة