فكيف سلم من معاطبها شوقي؟ وكيف لبق فأرضى نفسه وصور آمال الشعب ثم لم يجمح به قلمه أو كلمه؟
الحق إنه كان يروض الألفاظ حتى لا تثير سخطاً، وبروز المعاني ويصطفيها حتى لا يحس منها معارض بجفوة أو نبوة، وليس من السهولة أن تحبب إلى معارض ما يكره وأنت لم تشعره بغضاضة الرجعة، أو لم توقظ في نفسه نوازع العناد، وبهذه درجة علية من اللباقة والكياسة والحذاقة
- ٣ -
هلل شوقي بالدستور العثماني واحتفى به، وقصر عليه قصيدة كاملة إثر صدوره عام ١٩٠٨ إذ زف في بعض أبياتها البشرى إلى الترك وإلى الخاضعين لهم، ولعله استشف أن الدستور سينتظم مصر وغيرها، ففي رأيه أن الخلافة كانت تعاني الضعف وتقاسي الانحلال فجاء الدستور سياجاً لها وقوة، وكانت متداعية الأركان فحيطت بالشورى ونادى الشورى
والدستور الذي أصدره السلطان عبد الحميد نعمة على الشعب جليلة كجلال الخليفة، صافية الحواشي، إذ لم ترق لها دماء أو تلابسها جرائم، ومن عجب أن يرغب الناس عن الشورى وقد شرعها الله وأوصى بها نبيه
وحيثما نظرت رأيت سمات الفرح، فإن الشعب الصادي إلى الدستور والحكم النيابي ينقع اليوم بالشورى صداه، وكل فرد في الأمة يشعر بالعزة والعظمة والجاه أن صار له صوت في سياسة الوطن ورأي
بشرى البرية قاصيها ودانيها ... حاط الخلافة بالدستور حاميها
لما رآها بلا ركن تداركها ... بعد الخليفة بالشورى وناديها
أسدى إلينا أمير المؤمنين يداً ... جلت كما جل في الأملاك مسديها
بيضاء ما شابها للأبرياء دم ... ولا تكدر بالآثام صافيها
وإنما هي شورى الله جاء بها ... كتابه الحق يعليها ويغليها
أما ترى الملك في عرس وفي فرح ... بدولة الرأي والشورى وأهليها
لما استعد لها الأقوام جئت بها ... كالماء عند غليل النفس صاديها