لأن الغاصبين أيقنوا خطورة شعره في التأليب عليهم والتنفير منهم، فأميره مبعد عن ملكه، ومصر كلها برمة بقيود الحماية، وتركيا في غير صف إنجلترا، وشوقي شاعر الأمير، وروحه مصري وتركي، وشعره يوقظ الغفلى، ويشدو به الصبية والكهول
ثم ألقى الله على العالم أمنه وسكينته، وعاد شوقي إلى مصر يغرد بالمجد، ويرجع بالدعوة إلى الدستور في مناسبات شتى في عهد الملك فؤاد، وهو في ترجيعه حر يصور عواطف الشعب آنا، ويرشده آنا، لا تلجمه وظيفة لا وتثنيه رهبة؛ فقد أفاق الشعب كله واستقاد لزعيمه سعد، وثار ثورته يشري حريته ودستوره واستقلاله، وشوقي مغتبط يحدو للسائرين أو الطائرين إلى مثلهم العليا؛ ولم يجاره شاعر في حماسة دعوته، ولا في تكرار صيحته، ولا في بلاغته وجرأته، ثم لم يدانه شاعر في جلال الصور التي صور الدستور بها، أو في مهارة الربط بين الفكرة التي يدعو لها والمناسبة التي يهتبلها
ولعل في هذا البحث بلاغاً لحساده الذين زعموا إنه لا يمثل عصره، ولم يتحدث بلسان شعبه، ولم يصور عواطف معاصريه وميولهم، وإن هم إلا واهمون أو ظالمون، فإن شعره ثبت مفصل لما اضطرب من أحداث، وما اشتجر من آراء ونزعات، وقلما حدث حدث إلا جلجل فيه شوقي بشعره الملتهب، فعضد الحق، وسند الشعب، ورسم الصوى للحيرى
وشعره في الدستور والشورى وفضلهما وما يتصل بهما كثير منوع الصور، جاشت به نفسه فنفس عنها، واستدعته عاطفته فاستجاب لها، وإنها لعاطفة صادقة لا مجاراة فيها ولا مَيْن، ولو جارى لأقل فأشار في معرض أو معرضين، ولكنه طرق الدستور وحكم الشورى في أكثر من عشرين موضعاً من ديوانه، وفي بعضها يخلق المناسبة خلقاً، ليمجد الدستور ونظمه، وليس هذا شأن المجارى. وعاطفته مع صدقها حارة عالية الدرجة نبيلة تثير عواطفنا وإعجابنا، فلا مرد إذن لأقاويل خصومه المتنقصين قدره إلا أنهم نفسوا عليه سلطانه ومكانه وبيانه، فاتهموه في موضع الاقتدار، فكانوا كمنكر النهار، أو المماري في حرارة النار
ومن الوفاء له أن نسوق هنا طرفا من شعره نحيي به ذكرى شاعر العصر، المساهم في مجد مصر، ونحيي به الدستور في وقت تمتحن فيه دساتير الأمم، فتجاهد الحكم المطلق
وإن من يقدر الظروف التي تغنى فيها شوقي بالدستور ليجد حرجها، ويحس أشواكها،