للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي الغداة جلس على كتف الأمير وأخذ يقص عليه من أنباء الدنيا عجباً، قص عليه أنباء طير مصر المعبود، وكيف وقوفه على ضفتي النيل يمسك بين منقاريه سمكاً ذهبياً، وقص عليه أنباء أبي الهول وقد عمر عمر الدنيا واتخذ الصحراء مسكناً، وأوتي علم كل شيء، وقص عليه أنباء التجار يسيرون الهوينى بجانب إبلهم وفي أيديهم مسابح من الكهرمان يذكرون عليها اسم الله ويسبحون بحمده، وقص عليه أنباء الأرقط الذي يأوي إلى سعف النخل، وله من الكهنة سدنة عشرون يطمعونه فطيراً معسولاً، وقص عليه أنباء الأقزام وما شب بينهم وبين الفراش من حرب في البحر،

وألقى إليه الأمير السمع ثم قال (أيها السنونو الصغير، في حديثك العجب، ولكني أرى في شقاء الرجال وشقاء وفي النساء ما هو أعجب، ليس في العالم مأساة أمعن في الأسى من الشقاء) طر أيها السنونو فوق مدينتي، وائتني بأنباء ما ترى، وما لا أرى.

طاف بالمدينة فرأى دوراً منجدة، وقصوراً مشيدة. وأغنياء ينعمون وعلى أبوابهم سابلة محرمون،!

وطار إلى أزقة يغشاها الظلام فرأى أطفالاً يتضورون جوعاً، ترنو أبصارهم المتلهفة إلى الشوارع المظلمة، ورأى تحت جسر صبيين قد استلقيا على الأرض متعانقين يتقيان شر البرد، ويهمس أحدهما في أذن الآخر (ما أشد الجوع) فينهرهما حارس الليل ويقول (ما ينبغي لكما أن تقيما في هذا المكان) فيفران وقد صب عليهما عذاب عنيف من الجوع والبرد والمطر.!

وعاد السنونو إلى الأمير وحدثه بما رأى، قال الأمير (هذه لفائف الذهب فوق جسدي فانزعها عني ورقة ورقة وهبها إلى الفقراء، فقد جبل الناس على حب الذهب، كأنهم يرون فيه السعادة.)

وقام السنونو ينزع الذهب عن الأمير ورقة بعد ورقة، حتى بدا جسمه كالح اللون شاحباً، وطاف بها على الفقراء يغدقها عليهم أرزاقاً، فتهللت وجوه الأطفال واستخفهم الطرب، فملئوا شوارع المدينة بشراً وسروراً وقالوا (لقد أوتينا طعاماً).

ثم قسا الشتاء على المدينة وصب عليها صقيعه وجليده، وتدلى الثلج من النوافذ، وخرج الناس يبتغون أرزاقهم، وقد اكتسوا الفراء، وخرج الأطفال يلعبون ويتسابقون زحفاً على

<<  <  ج:
ص:  >  >>