هذه هي الدول التي صرفت أمور الفرس منذ القرن الرابع الهجري، ويرى منها أن الفرس لم يفلحوا في إقامة دولة عظيمة تضم أرجاء بلادهم، وإنما كان السلطان الشامل لدولتين تركيتين الغزنوية والسلاجقة، وما عرفنا أن ثورات فارسية عظيمة حاولت التخلص من هاتين الدولتين، وهذه مسألة جديرة أن تغير آراء الذين يريدون تفسير كل حركة في إيران في تلك القرون بالعصبية الفارسية.
الآن نرجع إلى الأدب الفارسي نراقب منشأه ونتعقب تطوره منذ بدأ إلى عصر التتار؛ فأما ما بعد التتار فنرجئ الكلام فيه إلى مقال آخر.
إنا لا نعرف شيئا عن الشعر الفارسي قبل الإسلام حتى ليظن أن الفرس لم يكن لهم منه حظ كبير، ولأمر ما نسب بعض كتاب الفرس أول شعر فارسي إلى بهرام جور، وقالوا: أنه اخذ الشعر من العرب إذ تربى في الحيرة. يذكر هنا محمد عوفي في لباب الألباب وشمس قيس في كتاب المعجم، ويزيد الأخير أنه قرأ في بعض الكتب الفارسية أن علماء عصر بهرام لم يستهجنوا منه الا قول الشعر، وأن آذرباد بن زرادستان الحكيم بالغ في نصحه ليترك الشعر تنزها عن معايبه؛ ثم يقول أن بهرام انتصح ومنع أولاده وذوي قرباه أن يقرضوا الشعر. ثم يقول: من أجل هذا كانت مدائح باربد وأغانيه عند كسرى برويز كلها منثورة لا نظم فيها.
ويقول ابن قتيبة:
(وللعرب شعر لا يشركها أحد من الأمم الأعاجم فيه على الأوزان والأعاريض والقوافي والتشبيه ووصف الديار والآثار، والجبال والرمال والفلوات وسرى الليل، والنجوم. وإنما كانت أشعار العجم وأغانيهم في مطلق من الكلام (منثور) ثم سمع بعد قوم منهم أشعار العرب وفهموا الوزن والعروض فتكلفوا مثل ذلك في الفارسية وشبهوه بالعربية.)
وأما في العصر الإسلامي فلا ريب أن الشعراء الذين يعرفهم تاريخ الأدب لا يتقدمون العصر الساماني. غير أن في كتب الأدب الفارسي روايات عن شعر قيل قبل هذا العهد، وهي على علاتها لا تخلو من دلالة على أدب فارسي أقدم مما نعرف عسى أن يبينه التاريخ يوما.