للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

غادرت مصر بعد أن درست الأدب العربي بجامعتها وعدت إلى مصر فدرست الأدب بجامعتيها، ولقد كنت منذ عودتي شديد التبرم بمناهجنا وطرق فهمنا لآدابنا. ولقد جاهدة في سبيل إصلاحها ما استطعت حتى تركت الجامعة، ولكن تركي لها لن يمنعني أن أواصل الجهاد في خارجها. وذلك لإيماني بأن دراسة الأدب هي المدرسة التي يتخرج منها قادة الرأي قي البلاد. فهي مدرسة الثقافة العامة ومدرسة فن الكتابة وما أريد أن تعترض سبيلنا نزعات مغرضة فنحارب بتعصب لمناهج الغرب التي تكونا بين أحضانها. ولي أمل كبير في أن يولني القارئ الثقة حيث أنني قد بلوت مناهجنا ومناهجهم في نفسي وأطلت فيها التفكير بعد أن استطعت أن استلقي بالحكم؛ ومن واجبنا أن نأخذ الخير حيث نجده

وفي دراستنا للغة العربية وآدابها عيبان كبيران، يشتق على من لم يدرس اللغات والآداب الأخرى أن يدركهما أو يجد لهما علاجاً. ولابد إذا أريد القضاء عليهما من إعداد جيل جديد من الذين تثقفوا بأوربا بالنهوض بتلك المهمة الشاقة، مهمة تدريس اللغة العربية وآدابها، وبغير ذلك لن تكون أي محاولة غير ضجة عميقة، وهذا ورأي يؤمن به من كبار أساتذتنا المصريين استطاع منهم لرحابة عقله وتخلصه من الهوى الشخصي أن يدرك الحقائق في شجاعة ونبل

أما العيب الأول فهو فهم معنى الأدب: فالأدب مقصور عندنا على الشعر والنثر الفني. ومن الملاحظ أن الشعر قد غلبت عليه ابتداء من القرن الثالث الهجري روح المحاكاة حتى أن التجديد فيه لم يعد إلا بمقدار. وأما النثر فأنك إذا قصرته على الفني لم إلا بمحلول ضئيل: خطب ورسائل ومقامات وتوقيعات وأمثال. ولقد كان ظهور النثر المرسل الخالي من الصنعة المتكلفة قصيرا إذ لم يلبث أن طغي البديع ابتداء من القرن الرابع فجرد الكتابة من صدق الإحساس وجوهر الفكر. والإحساس والفكر هما المادة التي إذا خلت منها كتابة فقدت الكثير من قيمتها. ويا ليت الأمر قد وقف عند هذا الحد، فمعنى الأدب حتى على النحو الضيق الذي ذكرنا قد تغير في عصرنا الحاضر، وذلك لأن العرب لم يعرفوا الحقيقة غير الشعر الغنائي والنثر القصير الباع، وأما الأدب المسرحي وأدب القصة ذلك ما لا نستطيع أن نقول على نحو جدي إنهم قد عرفوه. فالبون شاسع بين أنواع الحوار التي خلفوها من أمثال حوار وفود العرب عند كسرى وغيرها وبين المسرحية بالمعنى الحديث.

<<  <  ج:
ص:  >  >>