وكذلك الأمر في البون بين أيام العرب وما شابهها من قصص وبين القصة بالمعنى المعروف اليوم. وهنا نحن منذ اتصالنا بالغرب أخذنا القصص والمسرحيات، وهذا يضعنا في موضع فريد بين الأمم، فالجامعات في أوربا لا تتناول عادة بالدراسة الأحياء من الكتاب. وفي فرنسا كلها لا يدرس الأدب المعاصر فيما أعلم، ولا تعطي عن دراسته درجة علمية إلا في جامعة استراسبورج، وأما السربون فتقف مناهجها عند أواخر القرن التاسع عشر. ولو أننا في مصر حذونا حذوهم كما نفعل الآن لكان موقفنا عجيباً. فسيخرج الطالب وهو لا يعرف عن أدب القصة وأدب المسرحية، وأصولهما ونقدهما شيئاً. ومعنى ذلك هو أن جامعة لن تساعد على خلق بيئة أدبية ورأي عام أدبي، ينمو فيهما أدبنا الحديث، ويتجه وجهه جدية تساير تيارات الأدب العالمي، وتدخلنا في ثناياه. وأمعن من ذلك في الدلالة ما نلاحظه من أن الشعر الغنائي، بل وكافة أنواع اشعر حتى المسرحي منه اخذ في التقهقر أمام النثر في كافة بقاع العالم حتى لأذكر أنه لم يعد في فرنسا كلها غير مجلة واحدة متخصصة في الشعر هي (اجدرازيل) وهي مجلة شهرية. وعلى العكس من ذلك النثر فقد احتل موضع الصدارة. ومن بين فنون النثر كلها اصبح للقصة بأنواعها المكان الأول. ومع ذلك فجامعتنا لا تزال عنايتها بالشعر فوق عنايتها بالنثر، وهذا أمر يفسر ما ذكرنا من قصرها لمعنى النثر على الفن منه. وباستطاعة القارئ أن يتناول أي كتاب في تاريخ أي أدب أجنبي كالأدب الفرنسي أو الإنجليزي أو الألماني وأن يقلب فهرسة ليد فصولا ممتعة عن التاريخ والمؤرخين والفلسفة والفلاسفة، وعن كتاب الأخلاق والاجتماع والباحثين في فلسفة العلوم. ونحن لدينا أمثال هؤلاء: لدينا المؤرخون والفلاسفة والمتصوفة وعلماء الكلام، وفقهاء التشريع، ورجال الأخلاق والاجتماع. فلماذا لا نوسع من معنى الأدب كما يفعل الغربيون فندخل دراسة هؤلاء الكتاب جميعا في مناهجنا وندرسهم بروح العلم الحديثة وننقد مواضع الضعف عندهم وسبل الكمال على ضوء ما وصل إليه الغرب، وبذلك يخرج طالبنا بمادة فكريه لها قيمتها بدلاً من قصره على الدراسات اللفظية التي نأخذ بها اليوم؟
ولكننا إذا أردنا أن نفهم الأدب بهذا المعنى الواسع وإذا أردنا أن ندخل فيه أدبنا المعاصر الذي نأخذ ألوانه عن الآداب الغربية، تبين عندئذ صدق ما قلناه من قبل من أنه لن يستطيع عندئذ استقلال بتدريسه إلا من ثقف ثقافة الغربية وتشبع بمناهج الغرب على نحو واسع