أن نفهمه هو مستودع الحضارة، وما أظن أننا نستطيع أن نفهم الحضارة العربية فهما صحيحا ما لم نكشف عن أصولها ومصادرها الإنسان ولك أن تقلب الرأي كيفما شئت فستنتهي إلى نتيجة حتمية هي أن الثقافة العربية مزيج من عناصر ثلاثة: العنصر العبري، والعنصر الفارسي، والعنصر اليوناني. ففي القرآن وفي الإسلام مالا يحصى من مبادئ التوراة وقصص التوراة وأصول التوراة التشريعية، وفي الحضارة العباسية الكثير من وسائل الحياة الفارسية ببذخها المادية، بل وتياراتها الأخلاقية والفكرية في بعض الأحايين، وأما اليونان فأظن أن تأثيرهم في الفلسفة الإسلامية والمنطق الإسلامي وعلم الكلام بل وفي العلوم اللغوية كالنحو والبلاغة وغيرها أوضح من أن يذكر.
والآن لو وسعنا من معنى الأدب وزدنا من عنايتنا بالنثر وأدخلنا في دراستنا إلى جوار الأدب القديم الأدب المعاصر، ولو أصلحنا مناهجنا فجعلناها تاريخية كيف تظن أننا نستطيع عملياً أن ننظم تلك الدراسة. أليس من الخير لنا أن نأخذ بالنظام الفرنسي فلا نقيد دراسة الأدب العربي بسنين بل نجعله شهادات يحضر الطلبة ما يريدون منه، حتى إذا أحسوا بنضوجهم تقدموا إلى الامتحان! ونوع هذه الشهادات أمرها واضح فهي لا يمكن أن تكون أن تكون إلا: ١ - شهادة اللغة العبرية وآدابها. ٢ - شهادة اللغة الفارسية وآدابها. ٣ - شهادة اللغة اليونانية وآدابها. ٤ - شهادة اللغة العربية وآدابها. وبذلك يخرج الطالب مثقفاً ثقافة حقيقية تمكنه من أن يفهم التراث العربي فهما صحيحاً وأن يستطيع مقارنته بغيره من الآداب. .
ومن البين أنه يجب أن يصلح نظام التعليم في المدارس الثانوية بحيث توجد به فروع تعد إعداداً صحيحاً لهذا النوع من الدراسة الجامعية بحيث الطالب ولديه العناصر الأساسية لمواصلة دراسته.
ولست أجهل ما في مثل هذه الدراسة من مشقة، ولك الأوربيين يعالجون مثلها في دراسة آدابهم اللاتينية واليونانية، ولقد تغلبوا على تلك الصعوبات، فلماذا يقعد بنا نحن الكسل عن مواجهة الطرق الجدية والسير في السبل الصحيحة؟