فلكي نتحاشى أن تكون الفروق بين العقول فروقاً فاحشة بحيث لا يمكن تلاقيها الإنسان يجب أن نجعل الفرد تتقلب عليه شتى المؤثرات وتتداول فكره، حتى تكون أثارها فيه بنسب موزونة تعطيه سعة النظر إلى الحياة وتقدير آفاقها جميعاً
وأني لأعجب للدولة الواحدة التي افرادها، وبينهم من التفاوت في النشأة العلمية الاقتصادية والخلقية ما لا يمكن أن يتصور معه لقاء منهم على شيء!
فكيف يتصور هؤلاء الأفراد الأوزاع المشتتون الذين لا رابطة تجمعهم معاني العدالة الإلهية أو الإنسانية؟!
لاشك أنهم معذورون إذا لم يستطيعوا أن يتصوروا تلك المعاني الكلية الجامعة التي تحتاج إلى إعداد وتهذيب وتمرين خاص لإدراكها
٢ - وأول نظرة يدركها العقل الذي يتعرف وجهات الحياة والاعتراف بجميع الأمم والشعوب، المتحرر من التأثر بالمخلفات ومواريث التاريخ، توحي أن الإنسانية أسرة واحدة، وأن الأرض وطن واحد لهذه الأسرة
وثاني نظرة توحي أن الله وضع الإنسان في الأرض موضعاً عظيماً هو موضع السيد المتصرف، على الأقل في الظاهر
وثالث نظرة توحي أن الله أطلق للإنسان قدرة وأعطاه اختياراً لتكييف حياته كما يشاء. .
ورابع نظرة توحي أنه يكاد لا يكون في الطبيعة فساد ولا آلام تجعل وجه الحياة كريها مشوها، لا يعاشر إلا على غضاضة ومضاضة إلا بفعل الإنسان الذي نسبة الشرور التي يرسلها هو على الحياة وعلى بني جنسه اعظم بكثير من الشرور التي من الطبيعة مباشرة كالبراكين والزلازل والطوفان والصواعق. . . الخ، وخصوصا في هذا العصر الراهن. . . ومن المشاهد المعروف أن الإنسان لا يضيق صدره بقضاء الله وقدره المباشر، ولا يثور غضبه وحقده، ويتحول إلى عامل دمار وخسار إلا في مقاومة الاعتداء والشر الإنساني الذي يأتيه من الناس، لأنه يجد نفسه في قدرة على دفاعهم والانتقام منهم، فيقدم على ذلك ليرضى حزازات نفسه. أما شرور الطبيعة، فيتألم منها، ولكن لا يثور عليها، لأنه لا يملك أن يثور عليها، فهو يجد أن احسن وسيلة للقائها هو الصبر والاحتمال ومحاولة مقاومتها