فإذا أردت أن (تحاكم) الله، وتعرف واجبه الذي فرضه على نفسه، فلا تنظر نظرة ضيقة متأثرة بالأنانية الشخصية أو القومية. . . لا تنظر إليه من مكانك أنت في أمتك ولا من مكان أمتك في الأمم، بل أنظر إليه وأنت تمثل الإنسانية الواحدة الهائلة. . .
ثم إذا أردت أن تنظر إلى الإنسانية في الأرض، فأنظر إليها من السماء نظرة الله. . . أنك حينئذ تراها هكذا: أسرة واحدة منوعة أفرادا وجماعات وأمماً. . كل جماعة استأثرت بمكان ومنعت غيرها عنه. وكان اقتسام الأمكنة غير عادل فأخذت أمة السهول الممرعة ونالت أخرى الأجادب، فزاغت عيون المحرومين وجاءوا إلى الضروريات فلم يلب لهم رجاء، ولم يخف المترفون الأغنياء لنجدتهم، فهاجموا وقاتلوا واستولوا وأذلوا وصار بعضهم بموج في بعض. .
وحقيقة الحقائق الاقتصادية التي يجب أن تقوم عليها فلسفة الحياة المادية، أن ما في الأرض من خيراتها ومناجمها وموارد الأرزاق كاف لجميع سكانها. . ذلك أمر تولى الله تقديره وتدبيره (وبارك فيها وقدر فيها أقواتها).
كان الواجب العقلي المجرد من الغرائز أن يسرع المتخوم بإسعاف المرحوم، وأن يقتسم معه ما عن كمالياته، وأن تقوم حكومة عادلة تتولى ذلك. . فأن الأرض كلها ميراث للإنسانية كلها كما يرى الله وكما قدر ودبر. . .
٣ - وعقيدتي أن كل ظلم واقع على المستضعفين فمسئوليته أمام الله واقعة على كاهل الأمم القوية، وكل أمة جاهلة مسئولية جهلها واقعة علة الأمم العالمة. . وكل أمة فقيرة مسئولية فقرها واقعة على الأمم الغنية. فالله تعالى ترك القاصرين منا للراشدين، كما يترك الأب أولاده الصغار لرعاية الكبار. . ذلك قياس العقل الإنساني وذلك منطقة قي الأسرة الواحدة. فلم لا يكون قياسنا في الأمة الواحدة، ثم في الأمم المتعددة؟!
ولذلك كانت النفس العربية في أول نهضتها برسالتها تحس ذلك الإحساس المتمثل في قول رسول الله:(كلكم راع وكلكم مسئول).
وقول أبي بكر:(لو أن عقال بعير ضاع بالعراق لحسبت أني مسئول عنه أمام الله).
وقول عمر حينما رأى شيخاً قبطياً يسأل الناس على باب مسجد (لقد أضعناك صغيراً ولم