وقد قام العرب أول الأمر بمقتضيات هذا. فكانوا يعتقدون أنهم مسئولون عن إصلاح الناس جميعاً، ورعاة لهم جميعاً. . فتنقلوا كالسحب لا يبحثون عن الأمكنة الخصبة للاستعمار، بل يبحثون عن عباد الله الإرشاد والإنقاذ والتعليم، فكان أحدهم يخرج من جنات الشام والعراق ومصر إلى صحاري الشرق والغرب يبحث عن النفوس الضالة والعقول الشاردة. . فلما ركنوا إلى المكث في الرياض وتركوا الهجرة لمثلهم الأعلى وفقدوا التبشير به قبل دخول الناس في دينهم إذ وجدوهم مثلهم. . تجار دنيا. .
٤ - أن العقل إذا أهمل ضلت الإنسانية وتحولت أسباب حسناتها إلى سيئات. . والمسئول عن ذلك ليس الله، بل الإنسان في مجموعه، ولم يخل عصر من العصور التاريخية من إمبراطورية عظيمة كانت تسيطر على اغلب مقدرات الأمم، وتستطيع أن تقيم العدالة بينها لو أرادت، ولكن الأنانية والجهل وعدم الانتباه إلى مسئولية الأخلاق في الأرض هي التي ملأت الأرض بالظلم والفساد. .
والدليل على ذلك أن الإنجليز مثلا أو الجرمان أو الروس البلاشفة أو الأمريكان حين أقاموا دولهم على الشعور بالوصاية العامة وتوزيع العدالة بالتساوي ارتفعت نفوس الأفراد وصت لأجسام وسمت عقائد الحياة وتقدم العلم وكفيت حاجات النفوس إلى حد ما. مع أن كل أمة من هؤلاء مكونة من عدد كبير. . بينما أمة صغيرة من الهمج وأشباههم لا يزيد عددها على بضعة آلاف ولا تزيد مساحة بلادها على بضعة أميال، تعيش في فوضى واضطراب وفساد وجهالة وذلك لعدم الإحساس بالمعنى الإنساني في كل فرد، وعدم الإحساس بالوصاية وعدم تدبير الأمر بينهم.
وأن حياة السوء التي تحياها الأمم المتأخرة هي التي تبلبل عقائد المفكرين منا والجهال. وتجعلهم يحملون الله مسئولية ما يقترفون هم. . . . أنهم يعترفون بالأقدار ويحملونها متاعب ومسئولياتهم حين يكونون متأخرين متقاعسين، ولا ينظرون إليها ويعترفون بها حينما يكونون قادرين.
وأنك لو فكرت وقدرت لوجدت أن جرائم القادرين والأغنياء هي التي سببت ملء الأرض بجرائم الفقراء كالسرقة والقتل وحمل أسباب الأمراض وآثار الفقر المدمر. .