للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السلطان الأعلى. وتسمى المنصور. وأمر أن يكتب عنه (من المنصور ابن أبى عامر وفقه الله) ثم كتب إليه باسم (الملك الكريم).

- ٢ -

ملك ابن أبى عامر الأندلس ستة وعشرين عاما، يدبر شؤونها بعدله وعزمه ويعمرها ببره، ويجملها بأبنيته، ويضرب احسن الأمثال في البأس الذي لا يخالطه جور، والعدل الذي لا تشوبه هوادة، والأنصاف الذي لا يميز قريبا من بعيد، والحكم الذي لا يعرف إلا النصفة والمساواة والنفاذ على كل الناس في كل الأحوال.

ولم تكن سياسته العادلة الحازمة، اعظم من قيادته المظفرة. حتى لقد جاوزت غزواته أقصى غزوات الناصر، وحارب حيث لم يحارب قبله أمير من أمراء الأندلس.

غزا خمسين غزوة كانت الثامنة والأربعون منها إلى شنت ياقوب على البحر في أقصى الجزيرة إلى الشمال والغرب، ولم يحاولها قبله ملك عربي في الأندلس.

قال صاحب البيان المقرب:

(ومن أوضح الدلائل على سعده انه لم ينكب قط في حرب شهدها، وما توجهت قط عليه هزيمة، وما انصرف عن موطن إلا قاهراً غالباً على كثرة ما زاول من الحروب، ومارس من الأعداء وواجه من الأمم. وإنها لخاصة ما احسب شركة فيها اتحد من الملوك الإسلامية. ومن اعظم ما أعين به سعة جوده، وكثرة بذله، فقد كان في ذلك أعجوبة الزمان).

- ٣ -

هذه سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة من الهجرة والمنصور بن أبى عامر يعزم على غزو جليقية في أقصى الشمال والغرب وهو مريض ولكنه كما قال أبو الطيب:

وقد علمت خيله أنه ... إذا هم وهو عليل ركب

سار من طليطلة إلى قشتيلة فأبعد الغارات فيها، ودوخ بلاد شانجه زعيم الأمراء المناوئين هناك.

وازداد بالبطل مرضه، (فاتخذ له سرير خشب ودع عليه أعضاءه وسوي مهاده متطاول

<<  <  ج:
ص:  >  >>