للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الشكل يمكنه الاضطجاع عليه متى خارت قواه، وكان يحمل سريره على أعناق الرجال وسجفه منسدل عليه، وعساكره تحف به وتطيع أمره. . .

وكانت تحمل سريره السودان الرقاصة للين مشيهم. بذلك قطع أربعة عشر يوماً حتى وصل إلى مدينة سالم)

- ٤ -

المنصور في قصره من مدينة سالم قد استولى على الأمد من مجده، وأوفى على الغاية من عمره. بنظر إلى الحوادث الجسام قد اتخذها درجا إلى المعالي، ويتمثل الزمان رخاءه وشدته وسلمه وحربه. ويرى الأندلس كلها وأصقاعا من المغرب طوع حكمه، وتحت أمره، ويشفق من تبعات هذا التاريخ المتطاول وأعباء هذا السلطان العظيم ويرى كل شيء وراءه ولا يرى أمامه إلا الموت. يقول:

(إن زمامي يشتمل على عشرين ألف مرتزق ما فيهم أسوا حالا مني. وددت أن أفال زلتي، وأنا كبعض هؤلاء السودان الحاملين لسريري).

وأخذ الرجل العظيم يوصي أمراءه وجنوده. وخلا يولده عبد الملك يوصيه ويودعه ويقبض على يده، وكلما ذهب عنه استرده مستدركا بوصيته. وعبد الملك يبكي فينكر عليه ذلك ويقول هذا أول العجز والفشل).

أوصى عبد الملك وصية الخبير المحنك، الأريب المجرب. وافرغ في أذنه وقلبه تجاريب عشرات السنين. ولم يترك عظيماً من أمور مملكته وأسرته إلا بينة.

ثم أمره أن يستخلف أخاه عبد الرحمن على العسكر ويعود هو إلى قرطبة ليتدارك أمور الملك.

- ٥ -

ابن أبى عامر في مدينة سالم في أقصى الجزيرة الأندلسية، كالأسد ابعد في مساره، والنسر غالي في تحليقه، يختم مجده مجيداً، وينهي جهاده مجاهداً، ويختم قصيدة ظفره ببيت رائع، وسجل مجده بسطر بليغ، قصيدة مطلعها الطموح ومقطعها الظفر وسائر أبياتها الهمة التي لا تقهر، والعزيمة التي لا تنثني، وسجل مقدمته طموح طالب علم في قرطبة، وخاتمته ملك

<<  <  ج:
ص:  >  >>