أنا إذن لا احب الحديث عن الإيمان ولا أؤمن بالدعوة اليه، ولكنني مع ذلك مؤمن إيماناً راسخاً، وليست لي في الحياة قوة غير هذا الإيمان، فقد تهب أعاصيرها ومن الممكن أن تتنكر لي يوماً عناصرها ذاتها، ولكن ذلك لا أظنه ينال مني شيئاً، وذلك لا اعتزازاً مني بعروض حياة أو مواهب نفس، ولكن لأنني مؤمن باله عادل اطمأنت إليه نفسي بحيث لا اذكر أنني قد اتجهت إليه يوماً فلم أجد تأييده، وعند ما أدعوه يسكت في نفسي طنين الفكر فلا أحس غير الصمت الساكن ولا أفكر حتى في وسائل القوة التي ابغيها، وإنما أساق بعد ذلك في غير وعي إلى تلك الوسائل كالآلة المسيرة وهي تعرض لخاطري في لمحات خاطفة فأسير إليها دون أن أتبين حتى مواقع اقدامي، وإنما اكتفي بما استشعر من ثقة من أنني ما دمت قد تركت السكون إلى الحركة فإنني في سواء السبيل. ومهما تكن بعد ذلك من صعوبات، فلا يمكن أن يساورني شك في أنها ستذل ولو في اللحظة الأخيرة وذلك هو الإيمان الهادي
من أين لي بهذا الإيمان وقد لقيت ضروبا من الناس وقرأت ألوانا من الكتب، ودرست أنواعا من اللغات والثقافات، بل وخبرت الحياة هزلها وجدها في كافة الأجواء وتحت مختلف السموات. أستطيع اليوم بعد أن نضجت ملكاتي أن أقول إنني لم يقنعني أحد به، ولا اكتشفته في بطون كتب، ولا تلقيته من أفواه بشر، بل ولا غرسته بمواصلة القيام بشعائره كما نغرس في النفس مختلف العادات بدوام مزاولتها، وإنما هو إحساس قديم مكنت له في نفسي حوادث صغيرة كانت بيني وبين أبي
ولا أرى ضيرا من أن أقص طرفاً منها على القراء فتلك تجارب بشرية قد تكون أجدى في إلقاء بعض الضوء على مشكلة خطيرة هي مشكلة الإيمان من كثير من موسوعات علوم التوحيد والكلام، ولها على الأقل ميزة الصدق النابض بالحياة، وهي صادرة عن نفس فيها من القوة ما لا يصرفها عن أن ترد كبار الأمور إلى صغائر الأشياء عند ما تؤمن أن تلك الحوادث الصغيرة هي الأسباب الحقيقية التي تتضاءل إلى جوارها كبرياء العقل ومغالطات الإحساس
عندما أخذت أدرك علمت أن والدي قد بنى بأحد حقوله (خلوة) لا منفذ لها غير الباب وانه