للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الطبيعة، حيث يطغي الطوفان، على الذري والوديان وإنهما لمقياسان متكافئان!

٦ - والآن فإلى مشهد من مشاهد القيامة:

(يوم يدع الداع إلى شيء نكر. خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر. مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر).

فهذا مشهد من مشاهد الحشر مختصر سريع، ولكنه شاخص متحرك، مكتمل السمات والحركات: هذه جموع خارجة من الأجداث في لحظة واحدة كأنها جراد منتشر - ومشهد الجراد المعهود يساعد على تصور هذا المشهد العجيب - وهذه الجموع، تسرع في سيرها نحو الداعي، دون أن تعرف لم يدعوها، فهو يدعوها إلى (شيء نكر) لا تدريه (خشعا أبصارهم) وهذا يكمل الصورة ويعطيها السمة الأخيرة. وفي وسط هذا التجمع والإسراع والخشوع (يقول الكافرون: هذا يوم عسر).

فماذا بقى من المشهد لم يشخص بعد هذه العبارات القصار؟

٧ - فإذا طرق القرآن موضوع الجدل حول إحياء الموتى مثلا، صاغه في قالب التصوير المؤثر، ولمس به الحس والوجدان، فيما ترى العين وفيما يستشعر الضمير:

(الله الذي يرسل الرياح، فتثير سحابا، فيبسطه في السماء كيف يشاء ويحمله كسفاً، فترى الودق يخرج من خلاله؛ فإذا أصاب به من يشاء من عباده، إذا هم يستبشرون. وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لَمُبْلِسين. فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها. إن ذلك لمحي الموتى، وهو على كل شيء قدير).

هكذا مشهد بعد مشهد: إرسال الرياح. إثارة السحاب. بسطه في السماء. جعله متراكما. خروج المطر من خلاله. نزول المطر، استبشار من يصيبهم بعد يأسهم إحياء الأرض بعد موتها. . . لينتقل من هذه المشاهد المتتبعة ببعد استعراضها للعين والخيال، وبعد تركها تؤثر في النفس على مهل إلى: (إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير) في انسب اللحظات النفسية بهذا التقرير

هذه نماذج قليلة لطريقة القرآن العامة في التعبير عن جميع الأغراض، سواء كان الغرض تبشيراً أو تحذيرياً. قصة وقعت أو حادثا سيقع. منطقا للإقناع. أو دعوة للأيمان. وصفا للحياة الأخرى. تمثيلا لمحسوس أو ملموس. إبرازا لظاهر أو لمضمر. بيانا لخاطر في

<<  <  ج:
ص:  >  >>