لتستفيد كل أمة من مواهب الأمم الأخرى وخصائصها لا أن يتخذوا هذا الاختلاف ذريعة للتناحر والتباغض (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم). والأمم والأفراد يختلفون طبعا في استعدادهم للتقوى وللتعاون مع الغير باختلاف بيئتهم وظروف حياتهم.
وتطبيقاً لهذا المبدأ من المساواة والتوحيد الاجتماعي اخذ الإسلام بيد المرأة ورفعها من مراغة المهانة والاستعباد إلى ذروة الشرف والكرامة مقررا حقها الطبيعي في الحياة:(ولهن مثل الذي عليهن). وإذا التفتنا بعد هذا إلى الثورة التي أحدثها الإسلام في حياة البشر الاقتصادية وجدنا عجباً من العجب، وجدنا نظاما اقتصاديا لو اخذ به البشر وتمسكوا بأهدابه لكفوا كثيرا من ويلاتهم الاجتماعية والخلقية لأنه يكفيهم الفقر، والفقر منبع اكثر الشرور والمصائب.
لقد كان النظام الطبقي بالغاً اشده قبل الإسلام فكان الأغنياء والأشراف يستغلون شرور الشعب ويبتزون ثمرات اتعابه
- كما يفعلون اليوم - ويثقلون كاهله بمختلف الأتاوات والضرائب دون أن يستطيع دفع ذلك أو مناهضته. والى جانب هؤلاء كان المرابون الجشعون يعتصرون ما تبقى من هذه الجهود غير راحمين ولا مشفقين. فلما جاء الإسلام قلب هذه الأوضاع وأعاد الحق إلى نصابه فحرم الربا وجعل في أموال هؤلاء الأغنياء حقا معلوما للمحرومين ملزمين شرعاً وقسراً بأدائه لهم، بعد أن كان هؤلاء المحرومون ملزمين بتقديم ثمرات أتعابهم للأغنياء دون مقابل. . وبهذا التشريع أقام الإسلام العامة الثالثة التي هي التوازن الاقتصادي؛ وهو كالتوحيد الاجتماعي عامل ضروري في هناء البشر وتقدمهم كما انه نتيجة حتمية لمبدأ التوحيد.
هذه أقباس من تلك الشعلة العظيمة التي تفتح عنها قلب الغيب فتقلتها القلوب العربية المسلمة، وسهرت على تغذيتها وتلهب ضرامها، حتى إذا تم لها ذلك الداحت بها في أطراف الدنيا تزرع جذواتها في كل نفس تتصل بها فتذيب أرجاسها، وتنفث فيها الإيمان والقوة. . فيا ليت شعري ما الذي حل بالمسلمين اليوم - وهم أحفاد أولئك المغاوير - حتى خمدت هذه الشعلة في نفوسهم وعادوا غرضا لكل طامع وهدفا لكل مريد!؟