وما دمنا نعيش في جماعة فلابد أن تتولى هي الأخذ بثأر المظلوم في حقه، وإذا فرطت العقد الاجتماعي. . فإذا فرط المظلوم في حقه، وإذا فرطت الجماعة في الإنصاف له كان هنا حينئذ قانون طبيعي اجتماعي اعتدى عليه وخولف ولم يكن له من الإنسان تصحيح ورد لقيمته. وكان وراء ذلك حتما ثلمة في الجماعة يتطرق منها الفساد. فليس الذنب هنا ذنب العدل الإلهي ولكن ذنب الجماعة التي برهنت حين أهملت الاقتصاص من ظالمها أو ظالم أحد أفرادها، مع أنها أقوى من ذلك الظالم، على أنها تستحق الحياة الرشيدة لأنها تعرف قوانين المقاومة، وعلى أنها غثاء وقش يستحق أن تضغطه قوة أخرى أصلح منه للسيطرة على الحياة.
أن الله يقاوم النفس بالنفس كما يقاوم أي قوة طبيعية بقوة مضادة لها ليضمن التناسق والصلاح ودوام كل شيء كما وضعه وجعله يسير في دوراته الأبدية.
وإن حجته الناهضة على عدله أنه لم يجعل لأحد سيطرة على فكر أحد وشعوره القلبي. فلن تستطيع أية قوة أرضية أن تتحكم في فكرك وشعورك، فإذا أحسست بظلم، فأمام نفسك قوة حرة تستعين بها: هي حرية الحركة الفكرية والغضبية لرد الظلم عنك، فلا تغفل حقك في الحياة، ولا ترضى بها غير كاملة الحقوق، ولا ترض بحياة الضعف مهما كلفك السعي للقوة، واستمع لهذا الصوت المتفجر من ضمير الكون يصيح بك:(إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم. قالوا فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً).
٧ - وأول واجبات الجماعة أن تبحث عن أصلح رجالها لتوليه حكمها. أي أن نوسد الأمر إلى أهله، وأن تقيم حدود حياتها ولا تتهاون أن تستثني فيها، ثم تترك لحاكمها أن يحكمها بالعدالة والقوة القاهرة الرادعة.
ذلك هو أسلوب الله في حكم العالم: قوة وإحاطة، وقهر، ويقظة، وعدالة ومجازاة.
وإن الجماعة هي المسؤولة عن كل ظلم أو فساد يتطرق إليها. وأن الله لا يتدخل بتغيير شيء في حياتها إلا إذا أرادت وغيرت ما بنفوسها، أنه جعلها في الأرض صاحبة سلطان يكاد يكون مطلقا في شئون حياتها الاجتماعية وعلى هذا فهو غير مسئول عن توزيع الثروات توزيعا ظالما ولا عن شيوع الجهالة والآثام.