للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يقول مرة: (موضوعات الشعر العربي - فيما عدا الغزل - هي الحكم والفلسفة، ثم النقد في صورة هجاء والوعض في صورة المديح فإذا تركنا الغزل جانباً وجدنا أن هذه الأغراض جميعاً أجنبية عن الشعر، لا بوصفه نظماً ولكن بوصفه أداة تعتمد على إثارة الخيال. .)

وفي هذا الكلام غلظة أساسية. فليس هناك موضوع للشعر وموضوع للنثر. إنما العبرة بطريقة تناول الموضوع. ففي بعض حكم المتنبي مثلاً شعر أصيل ينبعث من نفس حية ويوحي بشتى الانفعالات، وفي هجاء أبن الرومي صور فنية بارعة مليئة بالحياة، وفي بعض الوصف للبحتري إيحاءات وظلال شاعرية. . وهكذا.

فمن الخير أن ننظر في الفن دائماً إلى طريقة تناول الموضوع لا إلى ذات الموضوع. فكل موضوع قابل للفن وقابل للعلم وقابل للفلسفة على نحو من الأنحاء.

ورأي آخر في الشعر الغنائي. . فأنني أرى بيننا فتنة لا تنتهي بالشعر القصصي والشعر الروائي. وأنا أزعم أن الأصل في الشعر هو الغناء. الغناء الذاتي الفردي. وأنه حين يتجاوز هذه المنطقة يكاد يتعدى خير مجالاته. وأنه إذا كان الشعر القصصي أو الروائي قد راج في حقب من الزمان، فإنه الآن غير قابل للحياة ألا بمعجزة، وأنه أن للشعر أن يرتد غناء، وغناء فحسب!

أن الشعر العربي لم يتخلف لأنه غناء، ولكن لأنه لم يكن غناء حقاً! فلم يعرف كيف يغني فينطلق من قيود الحس والذهن إلا في القليل منه، وهذا هو اخلد قسم فيه.

ونحن لا نوافق رأي أرسطو الذي يستشهد به الأستاذ عادل: (إن على الشاعر أن يتحدث عن نفسه اقل حديث ممكن وإلا فهو ليس بالمصور والمحاكي للأعمال الرجال كما يفترض فيه)

فلأرسطو أن يقول في هذا ما يشاء. فنقول له: كلا! عن على الشاعر أن يتحدث عن نفسه اكثر حديث ممكن، وله، أولاً يلفت مرة واحدة إلى سواه!

ولدينا مباحث كثيرة قد أثارها الأستاذ عادل عن الطبيعة اللغة العربية وعيوبها الذاتية كلغة، والخلاف بيننا وبينه طويل في هذه المباحث، وإن وافقناه في الكثير منها، فنحن لا نرى النقص في صميم اللغة، ولكن في أساليبها، والأسلوب من يصنع الأدباء وعليهم وحدهم أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>