أما شكسبير فهو شاعر الإنسان في كل زمان: من عرف أبطاله عرفهم أناسي لم تحجبهم صبغة الوطن والعصر، ولم تقيدهم شكول الزمان والمكان، وقد كان من أباطيله دنمركيون وإيطاليون ومغاربة ويونان، وكان الإنجليز منهم آدميين نراهم (أولاً) آدميين ثم نراهم بعد ذلك أصحاب صناعة أو أبناء طبقة أو أتباع دين
وكذلك تحولت برومان رولان وراثته ونشأته معاً إلى الوجهة الإنسانية التي تتجاوز الأوطان والعداوات العصبية. ثم دعته حماسته الروحية الموروثة إلى العمل فلم يجد كفئاً لها في العصبية المحدودة ولا في المطالب الموقوتة، وفتح له أفق التفكير الإنساني أبوابه فمضى فيه قدماً بكل ما وسعته نفسه من شوق وإيمان
فقد كانت الزوبعة الوطنية قد بلغت مداها الأقصى بعد ثورة الطليان وثورة اليونان، وتحرر الأمم من سلطان الكنيسة ذهاباً مع الحرية الوطنية التي كانت ضرورية لها للتمرد على تلك السيطرة الأجنبية، وكانت حروب نابليون قد أعقبت بعدها حنيناً إلى السلم والمؤاخاة، وكانت الحركة الصناعية نفسها قد أنشأت مذاهب الاشتراكيين الذين يدينون بالطبقة أو بالعالم قبل أن يدينوا بالوطن أو التراث العنصري القديم
فتعاقبت الدعوات إلى التحكيم وخلق المحاكم التي تدعي بمحاكم السلام، وسمع الغرب والشرق رسالة تولستوي التي تنكر السطوة وتبشر بالمحبة والإخاء، وشهدت أوربا سلسلة من المؤتمرات السياسية قوامها النفور من الحرب والاجتهاد في حل المشكلات بالمشاورة والمساومة والتوفيق
وكانت هذه الدعوة العالمية أشبه الدعوات بمزاج رومان رولان الذي ورثه من أبويه ونشأ في تربيته الباكرة عليه، فاستهوته حين استهوت غيره دعوة العصبية والبغضاء، واهتم بها حين بطل الاهتمام بالأحلام في النفوس التي افتقرت إلى حماسة الروح، وكان أشجع من دعاة الحرب ومن نافخي النار في الذحول الوطنية والتراث السياسية، لان الداعي إلى اجتناب الحرب كثيراً ما يحتاج إلى شجاعة المقبلين عليها أو المسوقين إليها، حين تغلي الدماء ويثور الضجيج وتخرس الألسنة وتعمى العقول
وعاش الرجل في أفق أعلى من الأفق الذي يرين عليه دخان المعارك، وتوجه إلى قبلة أبعد من القبلة التي يممها اللاصقون بالغبراء، وجمع رسالته كلها في كلمة موجزة هي أصدق