تمت أركان هذا الحلم في أحد معسكرات الجيش الأميركي منذ أسابيع قليلة بعد تجارب طويلة استمرت سنوات. فكر أطباؤه أول الأمر في إيجاد طبقة رقيقة تنشر على الأثاث والفراش والأرض، فإذا مر بها ميكروب امسكته إلى أن يموت. فلا يتطاير في الهواء كلما نظفت الغرف أو أثارت غبار أرضها مكنسة أو قدم.
واختير لهذه التجربة معسكران يعيش فيهما ١٦ ألف جندي قسموا إلى جزأين متساويين. فعاش ثمانية آلاف منهم في معسكرات عولجت بمادة زيتية تقبض على الجراثيم، وعاش الآخرون الحياة العادية. فكانت النتيجة أن قلت المكروبات المتطايرة ٩٧ في المائة في المعسكر الأول، وقلت إصابات الجهاز التنفسي بمقدار الثلث عن زميلتها. ولم يرض الأطباء عن هذه النتيجة؛ فان الجنود لا تعيش داخل معسكراتها إلا فترة قليلة من الزمن. فليس المطلوب هو اصطياد الميكروب بل قتله
وأقبلت هذه الحرب فأوجبت ميادينها في الشرق الأقصى بين الغابات والمستنقعات حل هذا المعضل بكل سرعة. ولم يكن العلماء مجردين من كل الأسلحة بل كانوا يحتفظون بمركب من القار والنحاس ولكنه كان كريه الرائحة مهيجا للجلد يستحيل غمر الملابس به حتى لا تؤذي الجلد. فكان من الضروري الحصول على مركب عديم اللون والرائحة لا يؤثر احتكاكه بالجلد وتبقى خواصه في الأنسجة سنوات برغم غسلها وتنظيفها
وعهد بالفكرة إلى فريقين: أولهما كيميائي بلجيكي اسمه ليورامبل ويساعده ابنه جاي؛ وثانيهما علماء معمل الكيمياء التابع لشركة جالهور. وقدمت التجارب الأولى إلى الفريقين لتهذيبها أو استنباط ما هو أفضل منها. فاستمرت التجارب عدة شهور توصلوا في نهايتها إلى مركب أساسه الزئبق. وتقدر قابليته للفتك بالمكروبات بخمسة عشر ضعفا لحامض الفنيك ومع ذاك لا يهيج الجلد ولا يتلف الملابس
واختير المركب الجديد فجاز اختيارا دقيقا أثبت به أنه خير قاتل للمكروبات. فهو لا يستطيع أن يقتل فأراً صغيراً، فإن غمست فيه قطعة قماش ونشفتها ثم وضعتها في أناء به مكروبات التيفوس مثلا ثم سحبتها منه وحفظت الإناء في مكان مظلم وعدت إليه بعد أيام لتختبره تجد أن الميكروبات لم تتكاثر، وأن البقعة التي هبطت فيها قطعة القماش ظلت منطقة حرام خالية من الميكروبات. ولولا هذا المركب لتكاثرت ميكروبات التيفوس