للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لله هو أنه غير موجود!). ومهما يكن من شيء، فأننا إذا استثنينا الإعجاب الذي أبداه نيتشه ببعض المفكرين الفرنسيين، مثل: بول بورجيه، وبيير لوتي، وأناتول فرانس، وجي دي موباسان؛ وبعض الشعراء الألمان مثل هينرش هيني؛ فإننا نجد أنه كان يعتبر دائما أن أحدا لم يسبقه إلى تلك الأفكار الرائعة التي أعلنها، وتلك الآراء الصائبة التي أبدأها!

ولكننا نلاحظ - بالرغم من هذا الادعاء - أن جوبينو قد سبق نيتشه إلى كثير من هذه الآراء: فقد نادى جوبينو بانعدام التساوي بين الأجناس البشرية، واعتبر الجنس الأوربي أرقى الأجناس، وجعل على رأس هذه الأجناس جميعا الجنس الجرماني (الأشقر). وفضلا عن هذا، فقد ذهب أيضاً إلى أن من حق الجنس الأوروبي - باعتباره أرقى الأجناس - أن تتحكم في الأجناس الأخرى - باعتبارها أجناسا سفلى - وارتأى جوبينو أيضاً أن من الواجب تكوين صفوة أرستقراطية مختارة، تكون من تلك الجنسيات التي تنتسب إلى أرقى الأجناس - وقد انتشرت هذه الآراء التي نادى بها جوبينو في ألمانيا كلها، فأنشئت في أواخر القرن التاسع عشر، جماعة تحمل اسم جوبينو، وتعرف في ألمانيا باسم: وترددت آراء جوبينو على لسان نيتشه، فقال فيلسوفا بأرستقراطية الأجناس، وإمكان قيام جنس أعلى، أو نوع راق، يكون جديرا بأن يطلق عليه اسم الجنس (الأعلى) أو (فوق الإنساني)

وليس جوبينو وحده هو الذي سبق نيتشه إلى بعض الآراء التي ادعاها نيتشه لنفسه، بل لقد سبقه إلى ذلك أيضاً فيلسوف آخر ألماني، هو ماكس شترنر الذي نادى بمذهب (اللاأخلاقية) والفردية المطلقة. وسواء أكان نيتشه قد عرف شترنر أم لم يعرفه، فإن هذا الفيلسوف (الذي عاش من سنة ١٨٠٦ إلى سنة ١٨٥٦) كان سلفاً مباشراً لنيتشه في المناداة بالمذهب اللاأخلاقي. ويمكن أن تخلص فلسفة شترنر في عبارة واحدة هي (تقديس الذات)، أو (عبادة الأنا). فالذات هي مركز العالم، والعالم - بما فيه من أشياء وأفكار وأفراد - إنما هو ملك للذات. وكل ما في الكون ليس له حدود حقيقي بالقياس إلى الذات، التي هي الشيء الحقيقي الوحيد و (الإنسان) المجرد أو الإنسان باعتباره معني كليا (وهو ما يريد فويرباخ أن يجعله موضع تقديسنا) ليس له أي وجود حقيقي، (وإنما هو خيال لا يكون له وجود حقيقي إلا في ذاتي وبذاتي). ولما كانت الحقيقة الوحيدة هي حقيقة (الذات)

<<  <  ج:
ص:  >  >>