أو (الأنا) فإن في استطاعتنا أن نتخذ لنا من هذه (الذات) مبدأ نسميه باسم (الواحد) أو (الفرد) ?. وما دامت الذات هي المبدأ الوحيد الذي يجب أن نأخذ به، فإن علينا أن نستعبد كل سلطة خارجية، سواء أكانت سلطة (الله) أم (الإنسانية) أم (الأخلاق اللاهوتية)، أم (الآمر المطلق). . . إلى آخر تلك السلطات التي يراد فرض سيطرتها على الذات وأذن فان علينا أن نهدم الأخلاق، لأن الأخلاق تقوم على (فكرة متسلطة) هي فكرة (الواجب) أو (الآمر المطلق). وهنا نجد أن نيتشه يتفق مع شترنر، فإن زرادشت سينادي بهدم الأخلاق، والثورة المسيحية التي تضع للحياة قيما فاسدة منحلة. . . أما القول بعبادة الذات أو تقديس (الأنا) فهذا أيضاً مما يتفق فيه نيتشه مع شترنر، فإن نيتشه هو الذي يقول:(إن وراء أفكارك وعواطفك (يا أخي) يكمن سيد قوي، بل حكيم مجهول، هو ذاتك نفسها وهو في بدنك يقيم، بل هو بدنك نفسه)!
ولا تقف أوجه الشبه بين نيتشه وشترنر عند هذا الحد، بل إنهما ليتفقان أيضاً في شيء أعمق من هذا، وهو القول بإرادة القوة فقد جعل شترنر لإرادة التوسع في القوة والامتداد بالذات، أهمية كبيرة في فلسفته، حتى إن هذه الإرادة لتبدو عنده باعتبارها (القوة الأساسية للكائن البشري)؛ وهذه الفكرة هي التي ستصبح على لسان زرادشت الأغنية المحببة التي يرددها نيتشه في كل حين. فنحن نرى من هذا كله أن شترنر قد سبق نيتشه في الثورة على الأخلاق، والانتفاض على المسيحية، والدعوة إلى عبادة الذات. فلم يكن نيتشه إذن أول من ضرب بقدمه في هذا السبيل، بل كان شترنر هو الرائد الأول الذي سار في الدرب الذي طرقه السابقون، حتى نهايته. وكل ما فعله نيتشه هو أنه جدد أفكار شترنر، وردد آراءه - دون أن يكون قد وقف عليها - كما ررد أيضاً آراء السوفسطائيين والكابيين وبعض المحدثين مثل لاروشيفوكو وهلفلتيوس وهولبلخ وفريدريك شليجل وستندال - مع وقوفه عليها -.
ونستطيع أن نضيف إلى هؤلاء الفلاسفة الذين أثروا في نيتشه أو الذين سبقوه إلى الآراء التي نادى بها، فيلسوفا آخر يتفق مع نيتشه في أنه شاعر مثله، ويختلف عنه أنه ليس منحرف الطبيعة مثله. إما هذا الفيلسوف الشاعر فهو جويو صاحب كتاب (صورة مجملة لأخلاق بلا تكليف ولا جزاء) وقد ذهب هذا المفكر الفرنسي في مؤلفه مذاهب شتى،