بعضها يتفق مع ما ذهب إليه نيتشه اتفاقاً كبيراً حتى إنه ليصعب علينا أن نتصور أن يكون نيتشه لم يطلع على ما جاء فيها. ومما يتفق فيه الفيلسوفان.
أولا: القول بأن (الحياة هي الكل) بمعنى أنه ليس في وسعنا أن نتصور شيئا ما على أنه موجود حقيقة إلا إذا كان هذا الشيء حيا.
وثانيا: القول بأن الأخلاق التي تنادي بفكرة الواجب والآمر المطلق، أخلاق فاسدة يجب القضاء عليها، لأن الإلزام أو التكليف يرجع إلى الحياة نفسها، إذ الحياة هي التي توفر للفرد الشعور بالقدرة على العمل، وليس هناك قوة سحرية غريبة (كالآمر المطلق) المزعوم.
وثالثاً: القول بأن التشاؤم يدعو إلى الانحلال والفناء في حين أن التفاؤل يكسب خصباً وامتلاء، فكل من جويو ونيتشه يعتبر التشاؤم مظهراً للانحلال والهبوط والفناء. . .
رابعاً: القول بأن الفن هو المعنى الباطن للحياة بمعنى أنه ليس مجرد متعة أو ألهية، بل هو أمر جدي له قيمته في الشعور بالحياة الحافلة الخصبة المليئة، فكل من جويو ونيتشه ينظر إلى الفن نظرة حيوية ولا يعده عديم الغاية بل يذهب إلى أن الفن للحياة وبالحياة. ومعنى هذا أن الفن عندهما ليس للفن - كما يقال عادة - بل هو غائي، وغايته ليست تقويم الأخلاق أو إصلاح الناس، بل تقوية الشعور بالحياة.
وأما النواحي التي يختلف فيها جويو مع نيتشه فهي تلك التي تمس مشكلة (الفردية)؛ وذلك لأن جويو يعتقد أن الرجل القوي ليس هو الرجل المتوحد (كما يزعم نيتشه) بل هو الرجل الذي تجمعه بغيره من الناس، وشائج العقل والقلب. فعلى الرغم من أن جويو يتفق مع نيتشه في القول بالحياة الخصبة المليئة، إلا أنه يتصور هذه الحياة على أنها أولاً وبالذات، حياة اجتماعية تنعدم فيها الأنانية، لأن الأنانية سلب للحياة نفسها، وإنكار لكل خصب أو امتلاء. . ولعل خير ما يوضح لنا الفارق بين نيتشه وجويو، هو أن الأول يدعونا إلى اتباع الطبيعة (كما دعا إلى ذلك الأقدمون) في حين أن الثاني يدعونا إلى تعميق الطبيعة. فنيتشه يقول:(أتبع الطبيعة) وأما جويو فأنه يقول: (عمق الطبيعة) ومهما يكن من شيء فإن جويو هو بلا ريب واحد من أولئك الرواد الذين سبقوا نيتشه في الطريق الذي سلكه. وقد رأينا أن هؤلاء الرواد كثيرون فهل علينا من حرج بعد هذا إذا قلنا إن السبيل