ولكننا نفتن عن هذا كله، فلا نلتفت إلى هذه الذخيرة الضخمة التي لا تزال العالم الحي يقبس منها. ففي عصرنا الحاضر يوجد في أوربا من النحاتين من يقيمون مذاهبهم على أساس الفن المصري القديم، ويوجد من رجال الآثار ومن رجال الأدب من يتعمق دراسة الآثار الروحية والدينية لمصر القديمة، ومن يحيل هذا الزاد طعاماً حاضراً شهياً، يزيد به ألوان المائدة العالمية
أما في مصر فلا شيء من هذا كله. إنما يكتب المفتونون منا بالحضارة الإغريقية، فيصورونها حضارة هبطت من سماء الأولمب، ولم تستق مرة واحدة من نبع النيل، اللهم إلا رجلاً عظيماً - عظيماً جداً لأنه نجا من هذه الفتنة - هو المرحوم عبد القادر حمزة باشا، ذلك الذي حاول في كتابه الخالد (على هامش التاريخ القديم) أن يكتشف لقراء العربية عن هذا الدين القديم!
وللشرق على وجه العموم - ولاسيما الهند - ثقافاته العريقة، ثقافاته الروحية والفكرية. ولكن المكتبة العربية منها خواء. وعندما عثرت على ترجمة مختصرة لرامايانا (مجازفات راما) من (مطبوعات مجلة النفير) أحسست أنني عثرت على شئ نادر! ليس من مثله إلا القليل. شيء نادر لأنه شرقي. ونحن المفتونين عن مصر وعن الشرق. لا نحفل من هذه الذخائر ما تحفله الأمم الحية في الغرب، التي تستنقذ كل ما خلفت البشرية من ثقافات فتحيله غذاء شهياً على مائدتها الحافلة بالشهي اللذيذ!
أفلم يئن لنا أن نعرف أنفسنا كما عرفها العالم المتحضر؟
إنني لأشعر بفيض من السعادة يوم أجد المكتبة العربية حافلة بالمترجمات من كل الثقافات العالم. على ألا يبقى ركن الثقافة المصرية وركن الثقافة الشرقية كما هما اليوم يعشش فيهما العنكبوت!!!
يحس القارئ للأساطير الإغريقية أن الحياة المتنزية الوثابة هي الحكم في هذا الكون العريض، بينما يحس في الأساطير المصرية أن العدل والخير والمبادئ الخلقية هي القانون أما الأساطير الهندية فتخيل إليه أن التضحية والصبر والتسامح هي محور الوجود. فإذا اجتازها إلى الأساطير الفارسية أحس أن القوة والمراسم والنظام هي دعائم الحياة (وذلك