وأوضح الأمثلة على هذه الملاحظات أساطير هرقل، وأوزريس، وراما، ورستم.
فمجازفات هرقل كلها تنفيذ لقضاء أعمى مبعثه نزوة شخصية لبعض الآلهة. ومأساة أوزريس هي تغليب للعدل والخير على الظلم والشر، وقد وقفت قوى الآلهة في صفه تحقيقاً لهذه المثل العالية.
ومجازفات راما كلها تنفيذ لعهد واجب الوفاء مهما يكن في سبيله من تضحيات فوق الطاقة البشرية المحدودة، ووقائع رستم كلها تمجيد للقوة الخارقة التي تخضع مع هذا النظام وتعترف بمراسيم السلطان!
تجمع آلهة الإغريق إلى قدرة الآلهة حماقات البشر. قانونها شهواتها. تحبط كيفما قادتها البدوات والنزوات. ويقع الخير في أعمالها كما يقع الشر كأنما هو اندفاع من اندفاعات الحيوية النابضة في الوجود. أما آلهة المصريين فتهدف في تصرفاتها إلى تحقيق مبادئ خلقية وإنسانية قوامها الخير والعدل والفضيلة. . .
ألا ما أحوجنا إلى أن تكون أساطير العالم كله بين أيدينا لنعرف حقائق الشعوب! إن غاندي وصبره وسماحته مثلاً، لا يفهم كما لا يفهم تاجور إلا بمدد من الأساطير الهندية تشرح عناصر النفس الهندية وتفسرها خير تفسير.
وشيء آخر يحسه القارئ الأساطير الإغريقية. يحس بالعبادة للطبيعة، والفتنة بالجمال، والنشوة بالحركة. الحركة العنيفة. التي لا تقرا ولا تهدا في اللذة والألم. وفي السعادة والشقاء. والحب والبغضاء، ويعيش في ذلك الجو المرفرف الطليق الذي هو مزاج من العرائس والجنيات؛ ومن المفاتن والشهوات، ومن المكائد والمجازفات. ومن الطبيعة الساحرة الفاتنة الحية الفائضة بالحياة المتجاوبة مع كل شيء في هذا الكون الكبير! إنها حياة تشوق وتعجب وتثير الحس والوجدان.
ويجب أن أقول: إن الأستاذ دريني خشبة قد افلح في نقل هذا الجو الحي الفائض بالحيوية، وان أسلوبه قد اضطلع بتصوير الحركة التي لا تهدأ في هذه الأساطير. وإن هذا وحده لشيء رائع في حد ذاته.