لقد قادته رغبة التجويد في التعبير، والتفخيم في الأسلوب إلى أشياء أود لو تنبه لها كل مؤلف. ومترجم على وجه خاص:
إن المطلوب في الترجمة - خاصة - ليس هو نقل المعاني والأفكار فحسب، ولكن نقل الجو الذي تعيش فيه هذه المعاني والأفكار. هذا الجو رهن بطريقة الأداء وبألفاظ الأداء. وفي كل لغة بعض الاصطلاحات وبعض الألفاظ. تعد بضاعة محلية. لا سبيل إلى نقلها من بيئتها إلى أية بيئة أخرى. ذلك أنها تشع جواً إقليمياً أو قومياً خاصاً يتمثله الخيال بمجرد نطقها في أي مجال.
هذه الألفاظ وهذه التعبيرات موجودة في اللغة العربية.
وهي تصور جوها بمجرد ورودها. - وهي لحسن الحظ قليلة نسبياً بالقياس إلى معجم اللغة اللغوي والفني - وهي لا تصلح للاستخدام في الترجمة على وجه خاص، لأنها تعارض الجو الذي يجب نقله؛ وتعترض الخيال المستغرق في جو خاص بقطعة من الجو العربي البحث الذي لا انسجام بينه وبين ذلك الجو الخاص
إن للألفاظ والتراكيب أرواحاً كما لأفراد الإنسان. وكثيراً ما خيل إلي وأنا أقرأ بعض المترجمات، أن المترجم يقذف برجل بدوي في زيه الخاص على المسرح بين جماعة من الأوربيين، فيخيل بكل انسجام!
وفي أساطير الحب والجمال شيء من هذا: يتمثل في بعضه استعباد النصوص للمؤلف، كما تتمثل في بعضه الفتنة بالأغراب. ولا يتسع المجال لاستعراض جميع هذه المواضع فنكتفي ببعض الأمثال:
١ - من الأمثلة على استعباد النصوص، أن يرد في أسطورة إغريقية وثنية قول أبوللو لابنه:(فسر دربها تصل إن شاء الله) فطريف هنا ذكر (إن شاء الله) من إلهي إغريقي ودع عنك (سر على دربها) وما تمثله من بيئة صحراوية. وأن يرد كذلك في كلام هذا الإله نفسه:(ولا تنس السماء التي تجري فوقي لمستقر لها) وما فيه من جو قرآني ينقل القارئ من أساطير الإغريق إلى القرآن الكريم. ومثله وصف شارون حارس الجحيم كما وصفها القرآن:(لا تبقي ولا تذر، وإنها أبداً ترمى بشرر كالقصر)
وكثير من هذه النصوص القرآنية ومن مأثورات الشعر العربي والتعبيرات الإسلامية