للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يد خادمته (يمنى) فلم يمانع في الطلب بل علقه على الرضا زوجته التي كان يعز عليها فقد خادمتها اليتيمة التي لا تليق بمقامي المرموق. لم ادع (يمنى) تشعر طوال أيام الخطوبة أنى كنت أعرف أمها، وقد غام أو كادت تمحي من ذهني صور الماضي التي تقمعت وانبثقت متجسدة في شخص (يمنى). أخذت أوقظ نفسها وأشعرها، رويداً رويداً، بوجدانها الذاتي كإنسان له كامل الحق في وجوده وحريته في الحياة. كانت تصغي إلى أقوالي بوعي وتتلقفها بعينيها، صرنا نقرأ الكتب فاندمجت روحها بروحي، وما عتمت أن تحولت من تلميذة نجيبة إلى فتاة تدرك وتدري وتتذوق وتتمرد. كم تمنيت مطاولة الزمن لأيسر لها مجال الروح في حلبة الحياة بدراية وفرح، وكنت أنسى فوارق العمر وقد ناهزت الخمسين، وهي تشرف على العشرين. لذلك أسرعت إلى عقد إكليلي وقد تطوع بطرس بك وزوجته أن يكونا (إشبينينا) في الزوج، وقد أصرت زوجة بطرس بك على إلباس عروسي (فروة) المشيخة إجلالاً لفتاة يتيمة انتقلت إلى مصاف الطبقة العليا.

صمت محدثي قليلاً وقد علت وجهه سحابة غبراء، ولكن ما لبث حتى أشرق جبينه وقال: جعلت أن أنا الرجل الكهل فاتحة غرام لزوجتي الصبية وقلت: أترى تكون بنيتي هذه خاتمة غرامي كما كانت مقدمة كتاب حياتي؟ كان مجرد هذا الخاطر وقد داهم ذهني ليلة الزفاف، كافياً لأن يبعث في حيوية بكراً، ويدفعني إلى أن آلي على نفسي وقف وجودي وما أملك على زوجتي ابنة حبيبتي. كم تمنيت في ساعات الغبطة والهناءة التي كانت تقضيها زوجتي على أن تطبق بأصابعها أجفاني فأنام اسعد نومة أبدية، ولكن سرعان ما كنت أنتفض مذعوراً إذ أتخيل استجابة أمنيتي فاقبض بذراعي القويتين على جسم زوجتي البض اللدن أتشبث به كالطفل، أتمتم بكلمات متقطعات أغمغمها بلا وعي استحياء منها ومن نفسي الملتاعة. لا تعجب يا صاحبي إذا قلت لك أني أحيا بشخصيتين، وأعيش بماضيين، وقد كنت أقوى على صهر زوجتي في بوتقة لا دخل فيها ولا زيف، وعرفت السعادة معرفة حسية، واستبدلت أنواعاً منها عامة شائعة بنوع لدنى روحي بحت. أذكر يا صاحبي فوارق العمر، تنوع الاختبارات، ولا تنس فواصل العقل ونزعات المشاعر، ولك أن تقدر بعد هذا اضطرابي وخلجات نفسي ووساوسي ليست سوى مجرد أوزان قلقة لرجل شارف الخمسين من عمره ليعيش في جنون العشرين. ضحكت طويلاً من الزمن وانتقمت

<<  <  ج:
ص:  >  >>