للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كثيراً منه! وسخرت من تقديرات أناس يعيشون في الضباب ويقدرون علة في زهرة لم تتفتح أوراقها في الربيع، حاسبين وجوب انطباق علم النبات على علم الإنسان، جاهلين النفس وعجائب الغريزة وأسرار الروح، وقد تفتحت أكمام روحي في غبر فصل الربيع. سنحت التفاتة مني فلقيت رفاق الباخرة، الأمريكان الطلعة مشرئبين كان أعناقهم تمتد إلينا لتسمع آذانهم حديثنا، وكانت هذه الالتفاتة سبباً لانتشال محدثي من أعماق نفسه. أشعل لفافة وأخذ ينظر إلى حلقات دخانها تغني في الهواء. لم أكن أجرؤ على مطالبته بإتمام حديثه. أطفأ سيجارته ثم التفت، فلمحت ابتسامة باكية ترتسم على فمه وقال: انقضى الصيف والخريف، ثم الشتاء والربيع، وأنا قابع في داري ارتع بنعم تفيضها علي زوجتي المحبوبة، مشمولاً بعناية خاصة منها، وكانت كلما طمأنت نفسي بالغبطة تهيئها بغريزتها لغبطة جديدة، وهكذا كنت أرى الأوضاع مقلوبة كأني أنا ولست هي الطفل الخليق بالتدليل! لم اكن زوجاً بل أباً، ولم تكن لي سوى أبنه معبودة وكان هذا الإحساس المختلط يحفزني إلى إشعارها بأني زوج قبل كل شيء، وكان الحياء يصدني تارة، وتارة أخرى يدفعني إلى إثبات رجولتي وكان من جنوني كلما داهمني إحساس تخاذل أو فتور، إنما الشعور بالتخاذل في مثل هذا الحال يخلق الحركة العنيفة دون وعي، أطلقت السيادة للجسد، وجعلت العقل خادمه المهمل، أسمع يا صاحبي لا شيء يجعلنا ننحرف عن سبيل هدى الطبيعة سوى عنعنات العقل، أليس كذلك؟ واستطرد. كدت أغرق عند شاطئ الغريزة غير حاسب إنها أوسع وعياً من إدراك الحكيم! أقول لك يا صاحبي إن الغريزة امرأة، والمرأة إرادة والإرادة تحايل على البقاء والخلود، ولكل هؤلاء غاية واحدة هي (حفظ النسل) وقد تجمعت هذه الادعاءات وانسجمت متوحدة في ذهني حين همست زوجتي في أذني، (إنا سنصبح أبوين) سوف أصبح أباً؟ يا لجنون السرور، بل يا للسرور المجنون! أحقاً يكون لي ولد له لطف الملائكة ولغتهم وصفاء السماء وتفتح الزهرة؟ إذن سأسميه باسم المرحوم والدي سيبقى اسم عائلتنا بعدي إلى الأبد، ولكن أتراني أعيش حتى أراه رجلاً يستعجله الطمع في الاستيلاء على أموالي؟ سيان عندي. . . سأعود للعمل وأضاعف ثروتي لا لتكون حجاباً بين ولدي الفاقة، بل سلماً يتوقل عليه ليبلغ قمة المجد الزمني. هذا ما جال في خاطري ساعة وافتني البشرى السعيدة. غدوت يا صاحبي في فردوس من الغبطة والسعادة يرف على خمائلها

<<  <  ج:
ص:  >  >>