منه، كلما كان هذا التعويق عارضاً من عوارض النقص والاختلال
وعلى هذا كله قد اتجه الأدب العربي في أوائل القرن العشرين وجهات محسوسة لم تكن شائعة في عصوره الماضية بعيدها وقريبها، سواء في مبناه أو في معناه، أي سواء في الألفاظ والعبارات، أو في المطالب والموضوعات
ففي اللفظ تتجه الكتابة العربية إلى التصحيح والتبسيط، وتنجم في العالم العربي من حين إلى حين دعوات جدية إلى إعادة النظر في قواعد اللغة، لتيسير الكتابة بها وتعميم فهمها. وتصدر هذه الدعوات عن نيات مختلفة لغايات متباينة. ولكنها قد تنقسم في جملتها إلى قسمين اثنين: أحدهما يراد به تغليب اللغة الفصحى، والآخر يراد به تغليب اللغة - أو اللهجة - العامية وإحلالها محل الفصحى في الكتابة والخطابة وأحاديث المعيشة اليومية.
وكل ما يبدو من مصير هذه الدعوات أن الأمر لا ينتهي بانفراد اللغة الفصحى ولا بانفراد اللغة العامية في الكلام المكتوب. وإنما يدل الاتجاه الظاهر - إلى يومنا هذا - على إمكان العزل بين الموضوعات التي تُستخدم فيها كلٌ من اللغتين. فتستخدم العربية الفصحى في الموضوعات العامة الباقية، وتستخدم العربية العامية في الموضوعات المحلية الموقوتة، ومنها لغة الكثير بين الروايات التمثيلية سواء في المسرح أو في الصور المتحركة، وكأنهم يحسبونها بهذه المثابة من الكلام المسموع الذي نمر به في المسرح كما نمر في الأسواق والبيوات، ولا يشعر من يسمعه بالانتقال من بيئة المعيشة اليومية إلى بيئة التعليم والثقافة، وقد يساعد على الترخص في لغة التمثيل أنها لا تكتب الآن ولا تؤلف للبقاء الطويل، وإنما تؤلف لموسم بعد موسم، وقلما تعاد بعد انقضاء مواسمها
أما موضوعات الكتابة العربية، فأول ما يلاحظ فيها غلبة المنثور على المنظوم، خلافاً لما كان معهوداً في معظم العصور، قبل بداية القرن العشرين. .
ولابد من انتظار الزمن قبل الحكم بدوام هذه الحالة أو زوالها وارتهانها ببعض الأسباب الموقوتة. ولكننا نستطيع أن نلمس منذ الساعة، سببين بارزين يفسران لنا هذا الاتجاه الجديد في تاريخ العصور الأدبية: أولهما أن الشعر كانت له في العصور الماضية طائفة نافذة السلطان تشجعه وتتكفل بقائليه، وهي طائفة الممدوحين من العظماء والسراة وأصحاب المصالح السياسية، ولاسيما في الزمن الذي كان النظم مفضلاً فيه على النثر في