هي وثنية العرب التي كانت قائمة على تقديس الأصنام وبعض الكواكب فحسب، بل هي وثنية الإنسانية على العموم، وهي تقديس المشخص دون رعاية للمبدأ والمثال. وهي لا تزول من هذا الوجود ما دام للإنسان ناحية مادية وأخرى روحية، وما دام للوجود كله أيضاً جانبان: جانب ظاهري هو الجانب المادي، وآخر مستتر وهو الجانب المثالي أو المعنوي، وما دام انجذابه إلى الجانب الآخر. ولسهولة انجذابه إلى الجانب المادي كان هو في حاجة على الدوام في الكفاح ضد هذه الوثنية أو كانت الإنسانية كلها - إذا ابتغت الرقي - في حاجة أبداً إلى دين سماوي هو الإسلام. لأن الإسلام آخر مظهر للأديان السماوية على طبيعتها صانه الرشد الإنساني في التدوين والرواية عن أن يختلط ببعض الإفهام المنحرفة فيه. فكلمة لم يحرف عن مواضعه كما حرفت الديانات السابقة عليه. إذا الإنسانية وقتئذ أي وقت تحريف هذه الديانات لم تملك الشجاعة الكافية في كتابة التاريخ حراً دون التأثر برأي رجال الدين ودون رعاية لسلطانهم، فكان الدين المؤرَّخ هو رأي رجاله وكان رأي رجاله هو التعبير عن الدين.
وإذا كانت الإنسانية منذ القدم في حاجة إلى معونة الدين في مكافحة الوثنية، وكانت حاجتها هذه قائمة على طبع فيها وهو ميلها النفسي إلى الصفحة الظاهرة من الوجود وهي الصفحة المادية، فالدين إذا ليس لعهد دون آخر. إنما الذي يخلع عليه البلى أو يجعله للماضي فقط هو فهم رجاله وعمل الدعاة باسمة، أو هو غرور الإنسان بالإنسان. إذ منذ قيام العهد الإنساني وهو منذ عصر النهضة الأوربية أخذ الإنسان يؤمن بنفسه ثم بالغ في هذا الإيمان حتى طغى أو حال دون إيمان له نتيجة عملية لشيء آخر في هذا الكون. ومنذ قيام هذا العهد أيضاً كان عمل رجال الدين بعيداً عن مقصد الدين. وبذا كانت فجوة بين الاتجاه الجديد في الحياة الإنسانية وبين تمثيل الدين في رجاله: الاتجاه الجديد في الحياة الإنسانية يؤمن بالقيمة الذاتية للإنسان، ويؤمن بالمساواة بين الأفراد لا عابد ولا معبود بينها، ورجال الدين يعلمهم يصورون الدين منحرفاً عن هذا الاتجاه.
ونفع الجماعة الإنسانية الحاضرة إذا بالدين متوقف إلى حد كبير على حاجة رجال الدين أنفسهم إلى الدين في مكافحة هذا الانحراف؛ متوقف على أن تكون الدعوة باسم الدين إلى الله وحده لا لإنسان آخر غيره مهما عظم ومهما كان له من سلطان. وهكذا أرباب الدعوة قد