الفرد أو الجماعة أو على نسبة الفرد أو الجماعة إليه، بل عنوان ذلك وحده هو الفصل على نحو ما ذكرنا بين الانقياد إلى الشخص أو إلى المبدأ. كما أن هذا الفصل نفسه عنوان رقي الفرد أو الجامعة لأنه ينطوي على شعور الفرد أو الجامعة بالكرامة أو بالقيمة الذاتية وعلى ما يسمى بالسمو الروحي أو النفسي، كما أن العكس وهو رواج الانقياد للشخص أكثر من الانقياد للمبدأ دليل على عدم سيطرة الدين وبالتالي على عدم نضوج الفرد أو الجامعة.
ويخطئ إذا من يفرق بين الدين وضروب الثقافات الإنسانية الأخرى في توجيه الإنسان، فيجعل الدين منزلة ثانية، لأن هذه الضروب من الثقافة إن كانت موصولة لرقي الفرد والجماعة؛ موصولة لتهذيب الإنسان وإشعاره بكرامته وموصلة لتحقيق معنى الصالح العام في الجماعة التقت مع الدين في هذا الغرض وامتاز الدين عنها يتجرده المطلق عن التحيز لجماعة إنسانية دون جماعة أخرى. وعلامة الصالح العام في الجماعة تقدير المبادئ العامة التي لا تخضع للتغير والتي تتسلسل جميعها في النهاية إلى مبدأ أعلى للوجود كله وهو الله.
ولأن الدين، وبالأخص الإسلام، له هذه المنزلة لا نكون مغالين إذا حكمنا بأن خلو التوجيه منه في الجماعة نقصٌ في التوجيه نفسه، لأن الثقافة الإنسانية التي تستخدم في التوجيه عندئذ مهما أكدت معنى المبادئ والمثل العليا فإضافتها للإنسان توحي تشككاً في أبدية ما فيها من مبادئ ومثل، أو يؤول أمر نسبتها للإنسان إلى تقديس الإنسان دون اعتبار حمله هذه المبادئ.
ولا نبعد عن الصواب كثيراً إذا حكمنا على بعض علماء الدين بأنهم لم يفهموا الإسلام إذا جعلوا من قوله تعالى:(وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) ثلاثة أنواع من الطاعة، لأن الهدف الأخير للإسلام وهو طاعة الله وحده ممثلاً في الرسول باعتبار كونه حاملاً لرسالته، وفي أولي الأمر باعتبار كونهم قوّامين على تنفيذ ما ورد في هذه الرسالة في الجماعة الإنسانية. وفي هذا قوله تعالى:(من يطع الرسول فقد أطاع الله) والحديث الشريف: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصا الله).
ولا نبعد أيضاً عن الصواب كثيراً إذا ذكرنا أن الوثنية التي حاربها ويحاربها الإسلام ليست