بيدي. لقد حطمت جرة السمن فاندلقت أحلامي، أنا الراعي الغبي، وانساح أملي في الرمل، أنا الحي الضائع!! نظرت إلى عينيه فإذا بنورهما قد ناص كمصباح نضب زيته، وأجفانهما تكسرت وجمدت فيهما دمعتان، وعندما أخذ يتابع الكلام توهمت - الصوت آتياً من بعيد قال، ذهبت وزوجتي ذات عشية إلى وادي العرايش، وما كدنا نأخذ مكاناً قرب النهر حتى توافد الصحاب، فاتسعت الدائرة، واتسقت صفوف الأقداح وشعشعت النفوس فانطلقت الأسنة. لم تهدأ جلبة السكارى إلا حين ارتفع صوت المغنى يشدو (العتابه) برنين شجي وصوت رخيم تشترك مع معاني العتاب في تطريب النفس - وإثارة ما فيها من حزن وفرح وقد استفاض صدري بإحساس مضطرب إذ سمعت المغنى ينشد (غربوا أحبابي) وشعرت كأن أحبابا تناديني، لقد فاض الدمع من عيني وانهمر، لاشك أنه دمع حنان النفس التي تضطرب فيها الآلام جميعاً!!!، في هذه اللحظة تلاقت نظراتي بنظرات زوجتي، فاعتلج في صدري شوق مفاجئ يدعوني بالحاح إلى العودة إلى أميركا حيث أموالي المتروكة في بلاد الناس، وعندما عدنا إلى البيت سألتني زوجتي متى نسافر إلى أميركا؟ في تلك الساعة عقدت النية على العودة إلى الوطن الثاني، وفي تلك الليلة المشؤومة انتهى كل شيء!!، أجل يا صاحبي في تلك الليلة الملعونة انتهى كل شيء في وجودي وبقيت وحدي كحروف رسالة بليدة بقبضة متصلبة وقال أنت تعرف أبنية زحلة متلاصقة ومنازلها متلاحمة لا يفصلهما من الجيران فاصل، قلت أعرف ذلك، قال: كنت أسكن بيتاً من هذا الطراز القديم لأنه أقرب إلى إحساسي وألصق بذكريات طفولتي، هذا البيت الذي كنت أخاله بقعة اقتطعتها الملائكة من فراديس النعيم قد انقلب بلحظة واحدة إلى قبر في الجحيم تحوطه نيران قلبي وألسنة الناس، قلت: اكتشاف خيانة؟، نظر إلي نظرة استخفاف خلتها تهز مكمن كبريائي فحجلت، واستطرد قائلاً: في هدأة الليل حيث كل شيء هادي إلا عيون السماء، دوي الوادي أو توهمت أنه دوي بصوت استغاثة قريب صادر عن قلب هلوع، الحرامي، الحرامي. . . النجدة. . . النجدة! وتلاه ولولة امرأة مخلوعة اللب وعويل أولاد. . . استيقظت بلا وعي أترنح من الذعر أو من الشجاعة، تناولت مسدسي من تحت الوسادة وهرعت لاقتنص السارق، لم يكن في وسعي ترتيب التصورات المتداعية والخيالات التي تراكمت في ذهني وازدحمت فيه مبلبلة مشوهة، توهمت السارق