متوسط المطر الذي يسقط على منخفض القطارة نحو ٢٠ مليمترا في السنة. يتكون الجرف الشمالي للمنخفض من هضبة واحدة ممتدة بغير انقطاع، ويبلغ ارتفاعه نحو ٢٥٠ مترا، أما سفح تلك الهضبة فيبدو كما لو أن نهراً عظيماً كان قد اتخذ مجراه على امتداد حافته ثم جف ماؤه فلم يخلف سوى حوضه المحتفر. وفي هذا الحوض - الذي يمتد، على أعماق مختلفة، حتى داخل حدود ليبيا - نجد العيون المائية القليلة في تلك المنطقة. أما العيون التي تستمد مياهها من الأمطار فلا وجود لها هنا.
ورحلة باكنولد ورفقائه كانت عبر الحدود الجنوبية لتلك المفازة السبخة، الصامتة، الرهيبة، الخالية من الماء؛ وكانت جعابهم لا تحمل أمتعتهم فحسب، بل حملوا معهم كذلك كل قطرة من ماء الشرب العزيز الذي كان مقدراً لهم معلوم لا يتجاوز في كل يوم. وبلغ الركب آخر الأمر واحة سيوة، حيث يبدأ بحر الرمال الذي لا ساحل له، وحيث تتلاشى على الخرائط المعالم الأرضية، وتحل محل الخطوط التي تحددها النقط التي ترمز للرمال تتلوها الرمال، وحيث يقرأ المرء على الخريطة تلك الإشارة الغامضة:(حدود الأكمات الرملية غير معروفة).
ولقد عبر باكنولد ذلك البحر الرملي الشاسع بعد عبوره منخفض القطارة بسنتين، وعاد كذلك بمعلومات قيمة.
ومن العجب أن بعض الرحلات الاستكشافية قد تبدو إبان القيام بها عديمة الأهمية، ثم تحل من التاريخ لمستقبل محلاً رفيعاً وتسيطر على بعض حوادثه سيطرة بليغة، وبخاصة حين يكون مصير الشعوب في ميزان القدر: فلقد وجد الجيش البريطاني الثامن في منخفض القطارة ميسرة منيعة له حينما تقهقر من ليبيا واتخذ له خطاً دفاعياً جديداً يمتد العلمين، على ساحل البحر المتوسط إلى خرف منخفض القطارة - وهي مسافة تبلغ نحو ٧٥ ميلاً. ولقد وقف ذلك الحاجز المنيع عقبة كأداء في وجه روميل وفرقة المدرعة التي كلن يعتمد عليها كل الاعتماد. ثم أصبح ذلك الحاجز المركز الذي وثب منه الهجوم البريطاني حينما تجمع في ذلك الخط، ذي الخمسة والسبعين ميلاً، كل ما كان للجيش الثامن من عدد وعدة. ثم صب على (الجيش الأفريقي) الألماني بتلك الصورة المهلكة، حتى أنه في مدى ٣٨ يوماً تفرق شذر مذر مرتداً إلى طرابلس، متقهقراً مسافة تزيد على ١٧٠٠ ميل - وهو أعظم