أنظار الغرب، ومعقد آمال الشرق، فقير كل الفقر إلى إلاصلاح، فالأخلاق والعقائد وهي الأساس الذي تقوم عليه عناصر المدنية، والمنوال الذي تنسج عليه برودها قد أصيب بالخلل والفساد، فهي فقيرة إلى الإصلاح. والعلوم والفنون والصناعات والآداب والعادات والتقاليد والذوق واللغة والنظم المنزلية والمدرسية والاجتماعية والحكومية وغيرها من عناصر الحضارة لم يبق من محاسنها شيء، فهي أشد فقرا إلى الإصلاح. والأزياء والمساكن والأثاث والمتاجر والمصانع والمزارع والطرق والمتنزهات والأندية والمدارس وغيرها من مظاهر المدنية أصبحت ممقوتة بغيضة إلى النفوس لبقاء أكثرها على ما كان عليه منذ آلاف السنين، ولإنشاء أقلها على مثال غربي لا يلائم أخلاقنا وعقائدنا، فلابد من إصلاحها وإصلاح كل شيء إصلاحاً نحتذي فيه مثال الأمور الصالحة في الغرب، ثم نصبغها بصبغتنا ونجعلها ملائمة لأخلاقنا وعقائدنا ومزاجنا النفسي والعقلي.
وإذ كانت الأخلاق والعقائد هي الأساس الذي تبنى كل أمة عليه حضارتها، وكانت أخلاقنا وعقائدنا محتاجة إلى الاصطلاح كل إلاحتياج، فقد وجب أن نبدأ باصلاحها، فاذا صلحت صلح كل شيء، وان لم تصلح فلا رجاء في إصلاح. ألا تذكر قوله تعالى:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). ولا ينبغي لنا أن يعوقنا على التصدر لإصلاح ما في نفوسنا من مفاسد، وما في عقائدنا من ضلال عِلْمَنا أن الأخلاق وهي الصفات النفسية ثابتة في الأمم ثبوت صبغاتها الجسدية، وأنها لذلك لا تتغير إلا بمضي آلاف السنين، وأن العقائد لا تقل عنها ثبوتاً، لأننا إذاأمسكنا عن التصدر للإصلاح لهذا العلم فلن نتقدم له أبداً ولن نبلغ ما نريد أبداً. ولا ينبغي لنا أن ننسى بجانب هذا أن للتغيير عوامل فعالة تجعله سهلاً سريعاً وهي الحروب والنهضات القومية، والثورات الفكرية، وأن النهضة المصرية الحديثة من عوامل التعجيل للإصلاح، وان قيام المتعلمين آباء وأبناء بإثارة الأفكار وتوجيهها في القرى إلى الإصلاح مما يكفل لنا بلوغ المراد منه، فيجب أن نتعاون على هذه الإثارة لنبلغ الأمر الذي نبتغيه.
فإذا نحن أيقظنا بصيحاتنا ودعوتنا النفوس النائمة، وأصلحنا العقائد والأخلاق وهذبناها بما لابد منه من العلم والمعرفة فلنعمد بعد ذلك إلى إصلاح كل شيء إصلاحاً يلائم أخلاقنا وعقائدنا، أو مزاجنا النفسي والعقلي، وإلا وضعنا بجانب كل حجر من أحجار الصرح الذي