نبنيه معولاً لهدمه، لأن الأمة التي تستعير مدنية لا تلائم مزاجها النفسي والعقلي لا تلبث أن تهدم ما بنت بثورة منها، وحسبك دليلا على ذلك الثورة البلشفية التي قوضت أركان المدنية الغربية في روسيا، فقد كانت روسيا شرقية في كل شيء، فلما ولى أمرها بطرس الأكبر حملها على تقليد الغرب بالقوة فجاءت هذه المدنية الغربية غير ملائمة لأخلاق الروسيا وعقائدها لذلك هدمتها أخيراً. وبمثل هذا يتنبأ إمام علم الاجتماع في العصر الحاضر (جوستاف لوبون) للمدنية اليابانية التي نقلت عن الغرب في خمسين سنة. وبمثل هذا يمكنك أن تتنبأ للمدنية التركية الحديثة لأنها من عمل الحكومة لا من عمل الشعب نفسه، وقد نقلتها كما هي بلا تهذيب، ولأنها نقلت طفرة لا بالتدريج.
وليس المسئول عن هذا الإصلاح الحكومة وحدها، فان الحكومات لا تقوى على كل شيء. وإن من الناس من يقصر عمل الحكومات على حماية الوطن من اعتداء بعض أبنائه على بعض، ومن اعتداء الأجانب عليه. أما ما عدا ذلك فهو عنده من علم الأمة وحدها، ولئن استطاعت الحكومات أن تعمل كل شيء وحدها فإنها لا تستطيع أن تقوم البتة بالمرافق الكبرى كالزراعة والصناعة والتجارة والتعليم والتهذيب، فان هذا بلا شك من أعمال الشعوب، ولا بأس بمعونة الحكومة فيه
والمسئول من الأمة المصرية عن تحرير ملايين الفلاحين المصريين من مفاسد الأخلاق ومن البدع والخرافات والأوهام والضلالات وتزويدهم بشيء من مكارم الأخلاق ومن العقائد والمعارف الصحيحة التي لابد لهم منها في دينهم ودنياهم ليصبحوا كأمثالهم في البلاد الراقية وليستطيعوا أن يقوموا بإصلاح عناصر المدنية ومظاهرها إنما هم أهل المعرفة من البالغين الراشدين المصريين
لاشك أن العالم مسئول عن أخيه الجاهل، فلو أن رجلين اجتازا طريقاً خطيرة، وكان أحدهما علم بما فيها من خطر ولم يكن الآخر على شيء من العلم بما فيها من خطر، ثم أصابهما فيها صائب من الأذى كان العالم حينئذ هو المسئول عن الجاهل
وإذا كان أكثر طلبة الجامعة والمدارس العالية من الراشدين المكلفين شرعاً وعرفا، كانوا من المسئولين عن الإصلاح الاجتماعي ولا يرفع عنهم هذا التكليف أننا معاشر الآباء العارفين نحمل هذه التبعة لأن الأمر أكبر من أن يقوم به فريق دون فريق، فليس هو من