عندما رأوا القيادة تنتقل إلى غيرهم، وإذا بهؤلاء الأشراف الذين رقق الإسلام قلوبهم يتغزلون غزلهم الساحر الجميل. وكلنا يذكر روح العصبية القبلية التي لم يستطع الإسلام أن يميتها في العراق، وما كان لتلك الحالة النفسية من تأثير في تأجيج الهجاء بين القبائل والأفراد. وقد عمرت أشعارها بملاحاة القيم والأنساب. وأما في العصر العباسي فتأثير الحضارة الفارسية بلذاتها وأنواع بذخها المختلفة. أوضح من أن يذكر في خلق الحالة النفسية التي صدر عنها الشعر الإباحي. وفي فلسفة الهنود واليونان، وفي ظروف الحياة السياسية والاجتماعية في العصر العلائي وما سبقه بقليل ما يوضح اتجاه الشعر نحو الفلسفة بحثا عن حقائق النفس ومصيرها، وآلام الحياة وآمالها. وهكذا جاءت نشأة المذاهب الأدبية عند العرب، أو على الأصح، الاتجاهات الأدبية في شعرهم وليدة لحالات نفسية طبيعية لم تصطنع، ولا قصد إليها، فهي تقوم على أسس نفسية إنسانية لم يكن منها مفر، ولا إلى غيرها معدل. وإن لم يمنع ذلك - ما قلنا - كل شاعر من أن يتميز من غيره بأصالته الخاصة.
والأمر في الأدب الغربي مثله في الأدب العربي، وإن تكن الحقائق هناك أوضح، لأن الأدب الغربي هو الذي عرف - وبخاصة ابتداء من عصر النهضة - المذاهب الأدبية بمعناها الفلسفي الصحيح. وقد صاحب ظهورها وعي نظري بها ومناقشة لأصولها، وتوضيح لمعالمها وقتال دونها: وتلك ظواهر لم تكد تتضح في تاريخ الأدب العربي. اللهم إلا أن يكون ذلك في معركة كبيرة واحدة يحدثنا عنها التاريخ الأدبي، وهي تلك التي قامت بين أنصار البحتري وأنصار أبي تمام، إذ ناضل الأولون عن عمود الشعر والصياغة التقليدية المرسلة، وكافح الآخرون عن مذهب البديع والتجديد في الصياغة. ومع ذلك فتلك معركة لم تمس حالات النفس في شيء لأن مدارها كان التباين في أسلوب التعبير، وأما موضوعاته فقد ظلت تقليدية حتى قال أحد النقاد: إن التجديد عندئذ لم يعد التطريز على ثوب خلق؛ وقال مستشرق: إنه كان رقصا في السلاسل.
وعلى العكس من ذلك مدلولات المذاهب الأدبية في الغرب، فهنا نجد الحالات النفسية بأوسع معاني اللفظ. فالكلاسيكية التي ظهرت في القرن السابع عشر في فرنسا بنوع خاص ليست إلا نظاما عقلياً خاصاً في تناول حقائق النفس البشرية وصياغتها. وأساسها العام هو