وأفاقت النفوس من صدمتها. وتقدمت الأبحاث العلمية ونما الإنتاج المادي وأخذ المفكرون يكشفون عن الحقائق النفسية العميقة فإذا بالأدب يتجه نحو الإمعان في الواقع. ولما كان ذلك الواقع أمر مما يتخيل الشعراء وأميل إلى الدكنة فقد تولدت حالة نفسية جديدة هي الواقعية، التي تسيء الظن بالبشر وترى خلف دوافعه البراقة ظلاما كثيفا. وعلى إضاءة هذا الظلام توفر جهدها، فالكرم قد يكون مباهاة خاوية، والمجد قد يخفي طموحا شخصيا بل والعبقرية ذاتها قد تختلط بالتهريج الرخيص، على نحو ما تجد في الكثير من روايات بلزاك. ولم يكن هذا الاتجاه قاصراً على الأدب بل امتد إلى النحت والتصوير والموسيقى وغيرها من أنواع النشاط الروحي، لقد كانت الواقعية كما كانت الكلاسيكية والرومانتيكية حالة نفسية سائدة وتلك هي الحقيقة العامة التي أربد أن نتدبرها عندما نأخذ في الحديث عن ظهور مذاهب أدبية بيننا، فإذا لم تجد الحالة النفسية التي تستند إلى فلسفة إنسانية عميقة كنت في حل من أن تصف ما ترى بأنه لا يزال في دور المحاكاة.