ووداعة وحنان ونسيان (للذاتية) و (الأنانية) فلذلك تحيا بهما النفس سعيدة مسعدة، منتفعة نافعة.
أما الرباط الثالث فلا يتصل إلا بمنطقة العواصف والزعازع من النفس، إذ هي مجال الاحتكاك والمنافسة والسباق والصراع بين ذوات مختلفة متفاوتة القوى والمواهب. . وقد سبق الشر من هذه المنطقة إلى الحياة وأفسدها، ولذلك كانت محل العناية والتنظيم والتهذيب، ومحوراً عظيما لشرائع الأرض والسماء، ومثار الحروب قديمها والحديث.
وبدون تسوية (المسألة الاقتصادية)، في العالم وحل (مشكلة العيش) وتوزيع المواد الاقتصادية في الأمة الواحدة وفي الأمم المتعددة في عدالة وإنصاف وتجرد عن الأنانية الشخصية والقومية لا يمكن الاطمئنان إلى مستقبل سعيد للإنسانية
وربما كانت كبرى جرائم الحياة هي جرائم الغنى ومفاسد البطر والترف الطغيان نتيجة لغرور المال. نعم إن للفقر جرائم كبرى أيضاً، ولكنها جرائم ومفاسد هي في الواقع عقوبة (ورد فعل) على جرائم الغني وعدم التوازن الاقتصادي في المجموع.
ولذلك كان من أول الواجب على رجال الروح والفكر أن يجعلوا المسألة الاقتصادية وتنظيمها واعتبار أسسها العادلة محل عنايتهم الفائقة كما يعنون بالمسائل النظرية في اللاهوت والفلسفات والآداب، وأن تكون لهم رقابة ساهرة وجهاد دائم في التدبير والتنظيم الاقتصادي حتى يضمنوا لكل فرد أن ينال حق العيشة بالجسد كما ينال حق الحياة بالروح، وحتى يكفلوا لمثلهم العليا أن تحيا وتتجسد في أشخاص بدل أن تظل طول الحياة ميتة مدفونة في بطون الكتب.
ثم يكون واجبهم الأكبر أن يمنعوا التكالب عليها والتطاغي في رحابها وأن يحملوا المجتمع على السعي إليها في هوادة ورفق وشرف
الحدود في الاقتناء والتوريث
وإن ما تطلبه غرائز التملك وشهوة المال لا يمكن أن يقف عند حد ينتهي إليه. وعلى هذا فواجب أن يدرك الإنسان ذلك ويحد من آماله ومطامعه بما يوافق مصالحه ومصالح الآخرين وإلا القلب كذلك الثعلب الذي ظل يأكل من فريسة حتى امتلأ وعجز عن النهوض والجري فاقتنصه الصائد. .