للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.

فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ماضي حاطب وجهاده في إعلاء شأن الإسلام، والى موقفه في غزوة بدر، وما كان لها من عظيم الشأن في إظهار الدين، وفي قصة الحديبية ومبايعته فيها على الموت تحت شجرة الرضوان، وقد قال الله تعالى في شأن من بايعه تحتها في الآية - ١٨ - من سورة الفتح (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا).

نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك كله من حسنات حاطب، ثم نظر إلى تلك السيئة التي ارتكبها، وهي تعد في عرف الشرائع الوضعية الخيانة العظمى للدولة، والعقوبة التي تستحقها هذه الخيانة هي عقوبة القتل، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشأ أن تنتهي حياة ذلك المجاهد بذلك الشكل القبيح، ولم يشأ أن يضيع له جهاده الطويل في الإسلام بفلتة من فلتات النفس، وغواية من كيد الشيطان، فرأى أن يستعمل فيها حقه في العفو، لأنه الرئيس الأعظم على المسلمين، فله حق العفو عن مذنبهم إذا كان فيه مصلحة من المصالح، ولكنه نظر قبل ذلك إلى من كان بالمجلس من أصحابه فقال لهم: إنه قد صدقكم، ولا تقولوا له إلا خيراً. فقال عمر رضى الله عنه: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه، فأن الرجل قد نافق. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا، وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر يوم بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم.

وقد عفا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا عن حاطب رضى الله عنه، بعد أن بين به أن عقوبة الجاسوس القتل، لأنه أرشد إلى أن علة تركه أمر عمر بقتله هي شهوده بدرا، فدل على أن من فعل فعله ولم يكن بدريا يستحق القتل، ثم نزل بعد هذا فيما فعله حاطب قوله تعالى في الآيات الأولى من سورة الممتحنة (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل، إن يثقفوكم يكونوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>