قديم، حاد الطبع، غليظ الخلق. قيل له أثناء إقامته بالمنزل إن ربة الدار سيدة مريضة لم تفارق فراشها منذ خمسة عشر عاما متأثرة بحزن شديد أصابها ولكنه لم يقتنع بهذا، من غير شك، فقد توهم أن الذي منعها من استقبالهم إنما هو كبرياؤها واشمئزازها أن ترى البروسيين أو تحادثهم، فطلب مقابلتها وأدخل إلى غرفتها، فما إن رآها حتى خاطبها بصوت جاف خشن وبلهجة ركيكة فيها كثير من التحريف. . . أرجوك يا سيدتي أن تنهضي من فراشك وأن تنزلي لكي يراك الجميع. . . ولكن المرأة المسكينة أدارت نحوه عيونا مبهمة فارغة ولم تجب فأعاد بلهجته الغريبة مرة ثانية. . إذا لم تنهضي بإرادتك فسنجد وسيلة لإرغامك على نزهة فريدة. . ولكن المسكينة لم تأت بأي إشارة، كانت دائماً عديمة الحركة كأنها لا تراه، فتملكه الغضب، وظن أن السكوت منها علامة احتقار بالغ له، فأضاف مهدداً - إذا لم تنزلي يا سيدتي غدا. . . ثم أدار وجهه وانصرف.
وفي اليوم التالي، أرادت خادمتها العجوز الطيبة أن تلبسها ملابسها قبل أن يحضر الضابط ولكن المجنونة صرخت بأعلى صوتها في هياج شديد، ولم تجد أي محاولة معها. وفي هذه اللحظة صعد الضابط مسرعاً ليرى تنفيذ أوامره، فخرت الخادم على أقدامه مستعطفة صارخة، إنها لا تريد يا سيدي، أنها لا تريد، اصفح عنها، أنها بائسة تعسة.
ظل الجندي القديم، مشبكا ذراعيه كاظما غيظه، وفجأة انطلقت منه ضحكة عالية، وأعطى بالألمانية أمراً إلى رجاله، ورأى الرجالة يحملون المريضة بفراشها كما يحملون جريحاً في الميدان، ورأى في المؤخرة رجل يحمل حزمة ملابس نسائية.
المجنونة ساكنة هادئة لا تقاوم، ولا تبالي بالعواقب، كأنها نائمة نومتها الهادئة في منزلها العتيق. فرك الضابط يديه سروراً قائلا: سنرى جيداً إذا كنت تستطيعين أن تلبسي وحدك، وأن تقومي بنزهة صغيرة. . الموكب يسير مبتعداً متجهاً إلى غابة ايموفي. . . وقد مضت ساعتان عاد الجند بعدهم منفردين. . . ولم تعد المجنونة ثانية. . . ماذا صنعوا بها؟ والى أي مكان حملوها؟ لم يعرف أحد ذلك مطلقاً. الثلج يتساقط ليلا ونهاراً، وبدا الوادي في نعومة المخمل، أما الغابة فقد كفنها الجليد بثوب من الزبد المثلج، والذئاب تعوي حتى أبواب المنازل، وذكرى هذه المرأة المفقودة لا يفارقني.
قمت بجولات متعددة قريباُ من مناطق البورسيين مؤملا الحصول على معلومات عنها