ولكني لم أفز بطائل، فظننت أنهم ربما قتلوها رمياً بالرصاص.
عاد الربيع، وابتعد الجيش عن القرية ومنزل جارتي المسكينة ظل مغلقاً تنبت الحشائش في أبهائه، والخادم العجوز في أثناء الشتاء، ولم يعد أحد يشغل نفسه بهذه الحادثة، ولكني - أنا نفسي كنت أحلم بها بلا انقطاع.
ماذا صنعت هذه المرأة؟ أهربت مخترقة الغابة؟ أم عثر عليها بعض المارة فأدخلها مستشفى قبل أن يستطيعوا الحصول على معلومات عنها؟
لم أجد ما يخفف حدة الشك في نفسي، ولكن الزمن خفف هذا الألم شيئاً فشيئاً. وجاء الخريف، وتتابعت أسراب الطيور البرية، واسترحت من مرضى قليلا فاندفعت نحو الغابة للصيد، وأصبت خمساً أو ستاً من ذوات المنقار الطويل، وكنت أبحث عن واحدة وقعت في حفرة صغيرة وسط فروع الأشجار، واضطررت إلى النزول في الحفرة لالتقاطها، ولكني سقطت على رأس ميتة، وفي الحال ترددت في صدري ذكرى المرأة المجنونة كأنها لكمة قوية، لقد كنت متأكداً أني سأقابل هذه البائسة يوماً ما، وفجأة فهمت، وفرضت كل شيء، لقد حملها البروسيون إلى هذه الغابة الباردة وأهملوها، وتركت المسكينة نفسها الخاوية تموت تحت وطأة البرد، وزغب الثلج المساقط، لا تحرك يداً ولا رجلا، ثم جاءت الذئاب الجائعة فافترستها، والطيور بنت أعشاشها من صوف فراشها الممزق.
حفظت هذا الحطام الحزين، وأقمت له النذور ودعوت الله ألا يرى أولادي الحرب أبداً.