فترة بعد فترة إلا من مقدمة محضرة إلا نتيجة منتظرة، تمشياً مع الحركة المطردة من عصر اليونان إلى عصر النهضة التي جددت بعض مدارس اليونان، إلى عصر الإصلاح والثورة بلا انقطاع ولا انحراف، إلا في أيام الركود والجمود.
فقصارى ما تصنعه المدرسة الأدبية بين الغربيين أنها تزيد في المجاز أو تزيد في التعبير عن الواقع، وإنها تميل إلى الأسلوب المأثور أو تدخل عليه بعض التصرف والتعديل، وأنها تجمع إليها رهطا من الزملاء بينهم تشابه في المزاج وتقارب في الموضوعات أو تقارب في موضع الإقامة وفي المناظر التي يلتفتون إليها ويعنون بوصفها، ثم يرجع الناقد إلى أدب قومهم قبل ظهورهم وبعد ذهابهم فإذا هو متقارب متتابع لا وثبة فيه ولا جنوح عن الجادة التي مهدت من قديم الزمان.
ولا يستطيع أحد من أولئك السماعيين أن يترجم شعر خمسين سنة متوالية إلا بدا له أنه كالحلقة بعد الحلقة في سلسلة واحدة قلما تتباعد في أوساطها وإن تباعدت في أطرافها، وانه على الإجمال نوع واحد من الأدب في الصميم.
أما أدباء العربية في الجيل الحاضر والجيل الذي سبقه فقد صنعوا في تغيير مقاييس الأدب ما لم تصنعه مدرسة واحدة أوربية في الأجيال الأخيرة.
لأن اختلاف المقاييس هنا هو اختلاف بين لغة ولغة، وبين طبيعة وطبيعة، وبين إقليم وإقليم، وبين زمن وزمن، وبين موضوعات وموضوعات.
كانت مقاييس الأدب عندنا هي المقاييس التي يقال فيها هذا أغزل بيت قالته العرب، وهذا أهجى بيت قاله الأنس والجن، وهذا معنى لو تقدم صاحبه في الجاهلية يوما واحداً لكان أشعر الشعراء.
وكان الأديب العظيم معصوماً من النقد والملاحظة، فإذا نقد أو لوحظ عليه فإنما يجترئون عليه لأنه متأخر لا يستشهد بكلامه في العربية، ولا يكون اجتراؤهم عليه لحرية فكر أو صدق نظر إلى القول والموضوع.
وكان البيت وحدة القصيدة، وكانت القصيدة شتيتاً لا يشبه البنية الحية ولا يقبل الاسم والعنوان، إلا أن يذكر في صدرها أنها نظمت في تهنئة زيد أو رثاء فلان.
وكانت الدواوين كراسات مملوءة بالقصائد من حرف الهمزة إلى حرف الياء بغير تفرقة في