معارض الكلام ومعانيه إلا ما تعودوه في التفرقة بين باب المديح وباب الهجاء وباب الوصف وما شاكل ذلك من الأبواب.
وندع المنظوم والمنثور وننظر إلى الشعراء والكتاب أنفسهم فإذا هم كانوا في عرف العلية والسفلة متسولين أو ندماء يغشون المجالس للتسلية والترفيه، ولا تعرف لهم رسالة مرعية في عالم الفكر أو في عالم الروح.
كل أولئك قد تغير في جيلين، أو تغير معظمه في جيل واحِد، ثم لا يقال عن الذين غيروه إنهم جاءوا بمدرسة من مدارس الأدب أو بدلوا حالا بعد حال، ولا يزال كثيراً عليهم أن يشبهوا أولئك الأدباء الأوربيين الذين تنسب إليهم المدارس لأنهم كانوا يقيمون عند بحيرات الجبال ولا يقيمون في الحواضر والعواصم، أو كانوا يفصلون في مسائل الجنس والغرام ولا يجملون، أو كانوا من أهل التصريح في العبارة ولم يكونوا من أهل الكناية والإيماء.
جاء أولئك الأدباء الذين تستكثر (بنّيات الريف) أن تنسب المدارس إليهم فاستطاعوا في مدى قصير أن يغيروا النظرة إلى الأدب وأن يغيروا النظرة إلى الأدباء.
فليس أدباء العرب اليوم مسترفدين ولا ندماء اسمار، ولكنهم أصحاب صناعة مكرمة يضارعون في الكرامة أولئك الذين كانوا يمدحونهم ويتزلفون إليهم ويقفون على أبوابهم في انتظار جوائزهم قبل جيلين أو ثلاثة أجيال، وإذا أستطيع في الغرب تعظيم شأن الأدباء على هذا النحو فليس في ذلك من عجب وليس فيه كبير فضل للأديب ولا لأحد من أفراد الناس، لأن استغناء الكاتب أو الشاعر بأعماله بين أمم محيت منها الأمية وتعودت مطابعها أن تخرج من الكتاب الواحد عشرات الألوف من كل طبعة أمر غير عسير.
أما المعجزة حقاً فهي تعظيم شأن الأدباء في بلاد لا يزيد قراؤها على عشر أهلها، ولا تملك مطابعها أن تعمم نشر الكتب بين القراء القليلين وهم موزعون هنا وهناك بين شتى الأقطار.
وهذه المعجزة صنعها أولئك الأدباء يكثر عليهم أن تنسب المدارس إليهم!! ولم يصنعها الأدباء الذين تسمع بهم (نهيّات الريف) ولا يعقلون عنهم شيئا وراء السماع.
صنعوا هذا وصنعوا معه أنهم غيروا النظرة إلى الأدب كما أسلفنا فانتقلوا به من عصر إلى عصر ومن موضوع إلى موضوع ومن مقياس إلى مقياس، ولم يكن هذا الأمر ليتيسر في