البلاد الشرقية كما تتيسر نشأة المدارس في البلاد الأوربية، لأن تقرير المقاييس الحديثة هنا نقلة من القديم إلى الحديث مع اختلاف اللغة والمزاج والفكرة ونماذج التفكير والتعبير، وما كان هناك إلا حلقة صغيرة في سلسلة متشابكة الحلقات.
وسبيل المقابلة جهود الأدباء في الشرق وجهود نظرائهم في الغرب قريب جداً لمن يسمع ويعقل وإن كان بعيداً جداً عمن يسمعون ولا يعقلون. . . أو يعقلون وقصارى عقلهم أن يصيحوا كما صاحب بنيّة الريف: يا عجبا! إنه لإنسان كسائر الناس.
سبيل المقابلة أن تختار خمسون سنة من تاريخ الأدبيين، ثم يرى الناقد من ذلك مبلغ التفاوت بين البداية والنهاية في كل من الفترتين، ومبلغ الجهد الذي كان لازما لا غنى عنه في أحوال الأمتين وإلى جانب هذا يختار كاتب أو شاعر من أصحاب المدارس هناك تعرض له صفوة أعماله التي تتخذ للموازنة والمقابلة وتبني عليها المناقشة والمفاضلة، فلعل الكفة التي ترجح في هذا الميزان غير الكفة التي ترجح في ميزان السماع، ولعل السالك في الطريق المعبد لا يبلغ شأن نظيره الذي يعلو ويهبط بين النجاد والوهاد، ويفتح طريقه قدما قدما وهو مدلج فيه منقطع عن الرفيق.
تلك هي الحقيقة السهلة لمن يبصر الحقيقة إذا وقعت عينه عليها، ولا ينتظرها كما ينتظر شيئاً يسمع به أبداً ولا يراه أو يدري كيف يراه.
فإذا خفيت هذه الحقيقة البينة على من تصدمهم ولا يدركونها - فليس الخطأ في ذلك خطأ الكتاب والأدباء، ولكنه خطأ الحظ الذي رزقهم من القراء من يشبه تلك البنية الريفية البلهاء، وما أكثرهم في الشرق على قلة القراء!