للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تواردت عليك هذه الأسئلة: كيف ينظم الشاعر؟ أي نوع من الناس هو الشاعر؟ كيف يبدع، وكيف يخفق؟ فليس لديك شيء أكثر جدوى من الرجوع إلى سيرة حياته ورسائله الخاصات إلى صحبه وأصدقائه.

اقرأ هذه الرسائل، تعرف الشاعر حق المعرفة، وتعلم أن عمل الشاعر شاق صعب، طويل مجهد، يبعث الملل ويفضي إلى التعب. وتقف على المشقة التي يلاقيها الكتاب، للبحث عن لفظة أو صوغ جملة يؤدي بهما المعنى الواسع العميق الذي يزخر به صدره. إن من المعاني ما يكون عظيماً واسعاً، ولكن الثوب ضيق، ولابد من البحث والتنقيب، ليكون الثوب قدر المعنى، فيُظهر محاسنه ولا يخفيها، ويستر عيوبه فلا يبديها، ويؤثر في نفس السامع ويحيها.

الحق أن الأديب يجتهد ويتعب. ولكنه لا يشكو ولا يتأفف. وقد يبدو ذلك من فلتات لسانه أو قلمه، وقد يدعى أن لا أسهل عنده سهولة ولا أشد تملكاً من أن ينظم لك أو يكتب ما تشاء، وفي أي وقت تشاء، على حين يكون قد قطع الليالي في البحث عن حرف أو في نظم بيت.

إن هذه الرسائل مجمع حي للقراء الإنكليز وكتابهم. هذا دريدن وهذا وردثورت وذلك كيتز وذاك وهنا هاردي وبينهما بيرون فكلهم أمامي أقرأ رسائلهم فأتمثل وأفكر.

هنا دريدن يكتب إلى ناشر أحد كتبه بلهجة فيها عتب وتهديد:

(إنك لن تستطيع أن تعنى كثيراً بطبع كتابي طبعة جديدة مع التصحيحات التي أشرت إليها. إن أقل خطأ يسوؤنى إلى الأبد).

وإذا كانت غلطة واحدة تسوء دريدن إلى الأبد، فإن وردثورث كان أشد قسوة من دريدن وأقل بناشر كتبه رحمة فقد كتب إليه مرة: (لقد وجدت غلطة في مقدمة مؤلفي الجديد لقد طبعوا بدلا من فينبغي أن تصحح هذه الكلمة في كل نسخة طبعت).

فماذا يقول الناشرون اليوم لو أتاهم وردثورث يطلب إليهم بالقلم ذلك وكان المطبوع آلافاً من الكتاب؟

ثم حول وجهك نحو ولتر سكوت القصصي البارع. الذي يقول عنه هوغو (إنه يهزني ويتلاعب بي كما تهز الريح الورق في الخريف). تحول إليه واسمعه يتحدث عن الإيجاز

<<  <  ج:
ص:  >  >>