ألا الله ما أحلى العز والكرامة في أرض الوطن! فلمثلها يتجرع العقلاس كؤوس الذل والمهانة مغتربين. يقتحمون مشاق التطواف طلباً لدعة المقام، ويقتعدون ظهور المعاطب التماساً لمواطئ النجاة ومهابط الأمن والسلامة:
تقول سليمي لو أقمت بأرضنا ... ولم تدر أني للمقام أطوَّفُ
رب خفض تحت السرى، وغناء ... من عناء، ونضرة من شحوب!
وليس يحس قدر هذه النعمة إلا كبار النفوس ممن يغالبون الأيام فيقتلون أو يُقتلون، ويشربون كؤوس الحياة من أرْى وشرى حتى الثمالة. . . ولعل في رأس القائمة من هؤلاء كافَي الكفاة الصاحب بن عباد - وزير آل بويه - قال القاضي الجرجاني في بعض حديث له عنه: إن الصاحب يقسم لي من إقباله وإكرامه بجرجان أكثر مما يتلقاني به في سائر البلاد، وقد استعفيته يوماً من فرط تحفيه بي وتواضعه لي فقال:
أكرمْ أخاكِ بأرض مولده ... وأمدَّه من فعلك الحسن
فالعز مطلوب وملتمسٌ ... وأعزُّه ما نِيلَ في الوطن
ثم قال: لقد فرغتَ من هذا المعنى في العينية، فقلت:
لعل مولانا يريد قولي:
وشيدتُ مجدي بين قومي فلم أقلْ ... ألا ليت قومي يعلمون صنيعي
فقال: ما أردت غيره، والأصل فيه قوله تعالى: يا ليت قومي يعلمون، بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين.